بعض من كتاباتي في التحليل النفسي

مفاهيم مبسطة في التحليل النفسي

ترجمة كتب ومقالات في التحليل النفسي

ترجمة حوارات في التحليل النفسي

ترجمة شهادات متعالجين بالتحليل

كتابات وترجمات زملاء عرب

فديوهات في التحليل النفسي

فرويد - العلاج بالتحليل النفسي - مقالة

 



سيجموند فرويد 


العلاج بالتحليل النفسي





تعلمون موضوع حديثنا اليوم. لقد سألتموني لماذا لا نستخدم في العلاج النفسي التحليلي الإيحاء المباشر، طالما أننا نعترف بأن تأثيرنا يعتمد أساسًا على التحويل أي على الإيحاء. وبالنظر إلى هذا الدور البارز للإيحاء، أبدَيتم شكوكًا حول موضوعية اكتشافاتنا النفسية. وقد وعدتكم بالإجابة بشكل مفصل.


الإيحاء المباشر هو الإيحاء الموجّه ضد ظهور الأعراض، وهو صراع بين سلطتكم كمعالجين وأسباب الحالة المرضية. عند استخدام الإيحاء المباشر، لا تهتمون بهذه الأسباب، بل تطلبون فقط من المريض التوقف عن التعبير عنها من خلال الأعراض. حينها، لا يهم إذا كنتم تُدخلون المريض في حالة تنويم مغناطيسي أم لا. وقد أشار برنهايم، ببصيرته المعتادة، إلى أن الإيحاء المباشر يشكل العنصر الأساسي للتنويم المغناطيسي، حيث إن التنويم نفسه هو تأثير ناتج عن الإيحاء، بمعني أنه حالة مُقترحة. وفضّل برنهايم ممارسة الإيحاء المباشر في حالة اليقظة، إذ يمكن أن يُحقق نفس نتائج الإيحاء أثناء التنويم المغناطيسي.


والآن، فيما يتعلق بهذه المسألة، ما الذي يهمكم أكثر: الحقائق التجريبية أم الاعتبارات النظرية؟ لنبدأ بالأولى. لقد كنت تلميذًا لبرنهايم، حيث تلقيت تعليمه في نانسي عام 1899، وترجمتُ إلى الألمانية كتابه عن الإيحاء. مارستُ العلاج بالتنويم المغناطيسي لسنوات، أولًا باستخدام الإيحاء الدفاعي، ثم باستخدام منهج بريور لاستكشاف حالة المريض. وبالتالي، لدي تجربة كافية للحديث عن تأثيرات العلاج بالتنويم المغناطيسي أو الإيحائي.


إذا كان هناك قول مأثور في الطب يُعرّف العلاج المثالي بأنه العلاج الذي يعمل بسرعة، وبيَقين، ودون إزعاج للمريض، فإن طريقة برنهايم كانت تحقق على الأقل اثنين من هذه الشروط. كان من الممكن تطبيقها بسرعة، أسرع بكثير من الطريقة التحليلية، ودون أن تُرهق المريض أو تُسبب له أي اضطراب. بالنسبة للطبيب، كان استخدام هذه الطريقة يتسم بالرتابة، حيث يتحتم عليه استخدام نفس الإجراءات والطقوس في كل مرة لإنهاء أعراض متنوعة، دون فهم معانيها أو أهميتها. فهذه الطريقة أشبه بعمل ميكانيكي، يفتقر إلى الجانب العلمي، ويُشبه السحر أو الشعوذة أو الخداع البصري. ورغم ذلك، استمر استخدامها بحجة مصلحة المريض.


لكن الشرط الثالث بقي مفقودًا في هذه الطريقة لأنه نتائجها غير موثوقة بأي حال من الأحوال. هي فعّالة مع بعض المرضى وغير فعّالة مع آخرين، دون معرفة الأسباب وراء ذلك. والأسوأ من ذلك، عدم استقرار نتائجها. فكثيرًا ما كانت تعود الأعراض بعد فترة، أو تُستبدل بأخرى. وفي بعض الحالات النادرة، قد يحصل نجاح دائم، لكن يظل سبب هذا النجاح مجهولًا.


مثال على ذلك، شاهدتُ حالة خطيرة تعود مجددًا بنفس الطريقة بعد أن عالجتها تمامًا باستخدام علاج تنويمي قصير، ولكن هذه النكسة حدثت في وقت أصبحت المريضة تكن لي فيه بعضا من العداء. وعندما عادت إلى مشاعر إيجابية تجاهي، تمكنتْ من تحقيق علاج أكثر شمولًا، إلا أن حالة الانتكاسة الثالثة ظهرت عندما عادت المريضة إلى عدائها نحوي.


مثل هذه الحالات تطرح علينا، سواء أردنا ذلك أم لا، أسئلة حول طبيعة ومصدر التأثير الإيحائي.


هذه هي التجارب التي تُظهر لنا أنه بالتخلي عن الإيحاء المباشر، لا نفقد شيئًا ضروريًا.


أما بالنسبة للتفكير النظري، فإن تطبيق العلاج بالتنويم المغناطيسي لا يتطلب جهدًا كبيرًا من المريض أو المعالج. هذه الطريقة تتماشى مع الفكرة التقليدية السائدة بين الأطباء عن العصاب: حيث يقال للمريض العصابي: “إنك لا تعاني من أمر خطير، ما تشعر به هو مجرد اضطراب عصبي، ويمكنني إزالة مشكلتك ببضع كلمات وبضع دقائق”.


ومع ذلك، فإن تفكيرنا إجمالا لا يقبل أن يتم حل المشاكل الكبيرة بمجهود صغير ودون أدوات مناسبة. الخبرة تُظهر أن مثل هذه الحيلة لا تنجح مع العصاب أكثر مما تنجح في علم الميكانيكا.


بفضل المعرفة التي اكتسبناها من التحليل النفسي، يمكننا وصف الفرق بين الإيحاء التنويمي والإيحاء التحليلي على النحو التالي:


العلاج بالتنويم المغناطيسي يهدف إلى تغطية أو إخفاء شيء ما في الحياة النفسية، بينما يسعى العلاج التحليلي إلى كشفه وإزالته. الأول يعمل كإجراء تجميلي، والثاني كإجراء جراحي. الأول يستخدم الإيحاء لقمع الأعراض وتعزيز الكبت، ولكنه يترك العمليات النفسية التي أدت إلى تكوين الأعراض كما هي. على العكس، العلاج التحليلي يواجه الصراعات التي أدت إلى الأعراض، ويحاول الوصول إلى جذورها، ويستخدم الإيحاء لتغيير نتيجة هذه الصراعات بالاتجاه المرغوب فيه.


العلاج بالتنويم المغناطيسي يترك المريض غير نشط وغير متغير، وبالتالي عرضة لأي سبب مرضي جديد. أما العلاج التحليلي، فيتطلب من المحلل والمريض بذل جهد شاق للتغلب على المقاومة الداخلية.


عندما يتم التغلب على هذه المقاومة، تتغير الحياة النفسية للمريض بشكل دائم، وتتطور إلى مستوى أعلى، وتصبح محصنة ضد العوامل المرضية المستقبلية.

أعتقد أنني أوضحت لكم كيف تختلف طريقتنا التحليلية في استخدام الإيحاء لأغراض علاجية عن الطريقة الوحيدة الممكنة في العلاج بالتنويم المغناطيسي.


بفضل تقليص الإيحاء إلى التحويل، يمكنكم أيضًا فهم أسباب عدم الثبات الذي لاحظناه في العلاج بالتنويم المغناطيسي، في حين يمكن ملاحظة تأثيرات العلاج التحليلي حتى في أدق تفاصيله. عند استخدام التنويم المغناطيسي، يتم إلاعتماد على حالة ومدى قدرة المريض على التحويل دون التمكن من التأثير على هذه القدرة. كذلك قد يكون تحويل الشخص المُراد تنويمه سلبيًا أو، كما هو الحال في الغالب، مزدوجًا. ويمكن أيضا للشخص أن يحصن نفسه ضد التحويل بمواقف معينة. كل هذا ونحن لا نعلم شيئا عما يحدث في هذا الإطار.


أما في التحليل النفسي، فإن عملنا ينصب علي التحويل نفسه، نزيل كل ما يعوقه، ونوجهه نحونا باعتباره الأداة التي نريد استخدامها. وهكذا نحصل على إمكانية الاستفادة بشكل مختلف تمامًا من قوة الإيحاء، التي تصبح مطواعة بين أيدينا. المريض لا يقترح على نفسه ما يحلو له؛ بل نحن من نوجّه إيحاءه، طالما أنه، بشكل عام، يتأثر به.


قد تقولون أنه من غير المهم تسمية القوة المحركة لتحليلنا تحويلا أو الإيحاءا، مادام التأثير الذي يتعرض له المريض يجعل القيمة الموضوعية لملاحظاتنا موضع شك. فما ينفع العلاج قد يكون ضارًا للبحث. هذا هو الاعتراض الأكثر شيوعًا على التحليل النفسي، ويجب أن أعترف أنه، رغم كونه غير دقيق، لا يمكن رفضه باعتباره سخيفًا. لكن إذا كان هذا الاعتراض مبررًا، فلن يبقى من التحليل النفسي سوى علاج بالإيحاء يتميز فقط بفعاليته، ولن يكون لأي من افتراضاته حول التأثيرات الحيوية، أو الديناميكا النفسية، أو اللاوعي، أي جدية.


هذا هو رأي معارضينا، الذين يعتقدون أن افتراضاتنا المتعلقة بأهمية الحياة الجنسية أو طبيعتها ما هي إلا نتاج خيالنا الفاسد، وأن ما يقوله المرضى في هذا السياق هو ما جعلناهم يعتقدونه.


من الأسهل دحض هذه الاعتراضات من خلال التجربة العملية أكثر من التركيبات النظرية. فمَن مارس التحليل النفسي يعلم أن إيحاء مريض إلى هذا الحد مستحيل. بالطبع، من السهل جعل المريض يتبنى نظرية معينة أو يشترك في خطأ الطبيب، لكنه في هذه الحالة يتصرف كأي شخص آخر، كتلميذ. ومع ذلك، هنا لم يتم التأثير على مرضه بل على فهمه. حلُّ صراعاته وتجاوز مقاوماته لا يتم إلا عندما تُتاح له تصورات تتوافق مع واقعه. وكل ما في افتراضات الطبيب لا يتطابق مع هذا الواقع يتم استبعاده تلقائيًا أثناء التحليل، ويجب استبداله بافتراضات أكثر دقة.


قد يتم استخدام تقنيات دقيقة لمنع الإيحاء من إحداث تأثيرات مؤقتة، ولكن حتى في حال حدوث هذه التأثيرات، فإن الضرر ليس كبيرًا، لأننا في التحليل  لا نكتفي أبدًا بالنتيجة الأولية. لا يُعتبر التحليل مكتملاً ما لم يتم توضيح جميع الجوانب الغامضة للحالة، وملء جميع فجوات الذاكرة، وكشف جميع ظروف الكبت. بل تُعتبر النجاحات السريعة عوائق أكثر من كونها عوامل مساعدة للعمل التحليلي. فقد يتم تدمير هذه النجاحات من خلال إضعاف أو تفكيك التحويل الذي تستند إليه.


هذا الجانب بالتحديد هو ما يميز العلاج بالإيحاء البسيط والمباشر ويجعل نتائج التحليل مختلفة عن النجاحات الناتجة عن الإيحاء البحت. في أي علاج بالإيحاء، يتم التستر عن التحويل ويُترك دون مساس. زما العلاج التحليلى فإنه، على النقيض، يتناول التحويل ذاته، ويكشفه ويفككه بغض النظر عن الشكل الذي يتخذه.


في نهاية العلاج التحليلي، يجب أن يتم تدمير التحويل ذاته، وإذا تحقق نجاح دائم، فإنه لا يعتمد على الإيحاء، بل على النتائج المحققة بواسطته: إزالة المقاومات الداخلية، والتغيرات الداخلية للمريض.


مع تطور الإيحاءات أثناء العلاج، نجد أنفسنا في مواجهة مستمرة مع مقاومات تتخذ أحيانًا شكل تحويل سلبي (عدائي). ولن نتأخر في إثبات أن العديد من نتائج التحليل التي قد يُعتقد أنها ناتجة عن الإيحاء تعتمد على مصدر لا يمكن الشك في صحته.


شهادتنا في هذا السياق تأتي من المصابين بالذهان أو جنون الارتياب، الذين لا يمكن أن يكونوا قد تعرضوا أو يمكن أن يتعرضوا لأي تأثير إيحائي. ما يخبرنا به هؤلاء المرضى عن ترجماتهم للرموز وخيالاتهم يتطابق مع نتائج أبحاثنا حول اللاوعي في حالات العصاب التحويلي، مما يؤكد دقة تفسيرنا الذي غالبًا ما يكون موضع شك.


أعتقد أنكم لن تخطئوا إذا وضعتم ثقتكم الكاملة في التحليل النفسي فيما يتعلق بهذه النقاط.

لنُكمل الآن عرض آلية الشفاء بالتعبير عنها من خلال صيغ نظرية الليبيدو. في الغالب، يعجز المصاب بالعُصاب عن الاستمتاع بالحياة أو التصرف بأريحية: إنه يعجز عن الاستمتاع لأن الليبيدو عنده غير موجّهة نحو أي موضوع واقعي؛ ويعجز عن التصرف لأنه مضطر إلى إنفاق قدر كبير من الطاقة للحفاظ على ليبيدو في حالة كبت وحماية نفسه من اندفاعاتها. ومن منظورنا، لن يتمكن من الشفاء إلا عندما ينتهي الصراع بين الأنا والليبيدو، ويستعيد الأنا السيطرة على الليبيدو. وبالتالي، تتمثل المهمة العلاجية التحليلية في تحرير الليبيدو من قيودها الحالية، التي استُبعدت من الأنا، وإعادتها إلى خدمة هذا الأخير.


فأين تقبع ليبيدو المصاب بالعُصاب؟ من السهل الإجابة على هذا السؤال: إنها تبقي مرتبطة بالأعراض التي توفر له حاليًا الإشباع البديل الوحيد الممكن. لذا، يجب التعامل مع هذه الأعراض وتفكيكها، وباختصار، القيام بالضبط بما يطلبه المريض. ولتفكيك الأعراض، يجب العودة إلى أصولها، وإعادة إيقاظ الصراع الذي تسبب في ظهورها وتوجيهه نحو حل آخر، باستخدام عوامل لم تكن متاحة للمريض وقت ظهور الأعراض.


لكن،لا يمكن تحقيق مراجعة العملية التي أدت إلى الكبت إلا جزئيًا، وذلك من خلال تتبع الآثار التي تركتها. وهكذا فإن الجزء الحاسم من العمل يتطلب، انطلاقًا من العلاقة مع المحلِّل (التحويل)، خلق نسخ جديدة من الصراعات القديمة، بحيث يتصرف المريض فيها كما تصرف في الماضي، ولكن باستخدام كل قواه النفسية المتاحة هذه المرة، للوصول إلى حل مختلف. هنا يصبح التحويل بالتالي ساحة المعركة التي تتصادم فيها جميع القوى المتصارعة.


وهكذا تتركز كل الليبيدو وكل مقاومة الليبيدو في الموقف تجاه المحلل؛ وهنا يحدث حتمًا فصل بين الأعراض والليبيدو، حيث تظهر الأعراض خالية من الليبيدو. فبدلًا من المرض الأصلي، يظهر التحويل المُثار بشكل مصطنع، أوالعصاب التحويليإذا صح التعبير؛ وبدلًا من موضوعات الليبيدو المتنوعة وغير الواقعية، يحصل لدينا موضوع واحد فقط، رغم أنه خيالي أيضًا: إنه شخص المحلِّل. لكن الإيحاء الذي يستخدمه المحلل ينقل الصراع حول شخصه كموضوع إلى أعلى مستوى نفسي، مما يجعل الصراع نفسيًا متخيلا فقط.


فمن خلال منع حدوث كبت جديد، يتم إنهاء الانفصال بين الأنا والليبيدو، واستعادة الوحدة النفسية للشخص. عندما تنفصل الليبيدو أخيرًا عن هذا الموضوع المؤقت المتمثل في شخص المحلل، لا يمكنه العودة إلى موضوعاته السابقة؛ فيصبح متاحًا للأنا. القوى التي يتم مواجهتها أثناء هذا العمل العلاجي هي: من جهة، كراهية الأنا لبعض توجهات الليبيدو، التي تظهر في الميل إلى الكبت؛ ومن جهة أخرى، قوة تماسك الليبيدو، أولُزُوجتهإذا جاز التعبير، التي لا تترك بسهولة الموضوعات التي تعلق بها.


وهكذا يمكن تقسيم عمل البهلاج بالتحليل إلى مرحلتين: في الأولى، يتم فصل الليبيدو تمامًا عن الأعراض للتركيز على التحويل؛ وفي الثانية، يتم خوض الصراع حول هذا الموضوع الجديد (المحلِّل)، حيث يتم تحرير الليبيدو في النهاية. لا يتحقق هذا النجاح إلا إذا تم خلال هذا الصراع الجديد منع حدوث كبت جديد، قد يؤدي إلى لجوء الليبيدو إلى اللاوعي مجددًا وهروبه من الأنا مرة أخرى. يتحقق ذلك بفضل تعديل الأنا الذي يحصل تحت تأثير التحويل.


بفضل عمل التأويل الذي يحول اللاوعي إلى وعي، يتوسع الأنا على حساب اللاوعي؛ وتحت تأثير الفرضيات التي يتلقاها، يصبح الأنا أكثر تسامحًا تجاه الليبيدو ومستعدًا لمنحه إشباعًا معينًا. تتضاءل المخاوف التي كان المريض يشعر بها إزاء مطالب الليبيدو بفضل إمكانية التحرر من جزء منها بواسطة التسامي. كلما اقترب تطورُ وتتابعُ العمليات أثناء العلاج من هذا الوصف المثالي، زادت فعالية العلاج التحليلي. أما ما يمكن أن يحُد من هذا النجاح هو، من جهة، عدم مرونة الليبيدو الذي لا يسهل فصله عن الموضوعات المرتبطة به؛ ومن جهة أخرى، تصلب النرجسية التي لا تسمح بنقل الموضوعات إلا إلى حد معين.


هاكُم فكرة ربما تساعدكم على فهم ديناميكية العملية العلاجية بشكل أفضل: إننا نعيد توجيه كل الليبيدو الذي هرب من سيطرة الأنا، ونوجه جزءًا كبيرًا منه نحونا بفضل التحويل. من المهم أن تعلموا أن تحديد موقع الليبيدو أثناء العلاج أو بعده لا يسمح باستنتاج مباشر حول أمكن تموقعها خلال فترات المرض. على سبيل المثال، إذا لاحظنا أثناء العلاج تحويل الليبيدو نحو الأب، ونجحنا في فصلها عن هذا الموضوع وجذبها نحو شخص المحلل، فلن يكون من الصواب استنتاج أن المريض كان يعاني فعليًا من تثبيت غير واعٍ لليبيدو على شخص الأب.


فالتحويل نحو الأب ما هو إلا ساحة المعركة التي ننتهي فيها بالاستحواذ على الليبيدو التي لم تكن مستقرة هناك منذ البداية، بل قد تكون أصولها متموقعة في أماكن أخرى. فساحة المعركة التي نخوض فيها القتال ليست بالضرورة إحدى المواقع الهامة للعدو. الدفاع عن العاصمة العدوة لا يتم تنظيمه دائمًا أمام أبوابها مباشرة. فقط بعد التخلص من التحويل الأخير يمكن إعادة بناء موقع الليبيدو أثناء المرض.


من وجهة نظرية الليبيدو، يمكننا إضافة بضع كلمات عن الحلم. أحلام المصابين بالعُصاب، شأنها شأن زلاتهم وتذكّرهم التلقائي، تساعدنا في فهم معنى الأعراض وتحديد موقع الليبيدو. تكشف الأحلام، بصفتها تحقيقًا للرغبات، عن الرغبات التي تعرضت للكبت وعن الموضوعات التي ارتبط بها الليبيدو المستبعد من الأنا. ولهذا السبب، يلعب تأويل الأحلام دورًا هامًا في التحليل النفسي، وبقيت لفترة طويلة الوسيلة الرئيسية للعمل في العديد من الحالات.


نعلم بالفعل أن حالة النوم تؤدي إلى تخفيف معين للكبتات. فنتيجة لهذا الانخفاض في الضغط، يمكن للرغبة المكبوتة أن تظهر في الحلم بشكل أوضح مما تظهر في الأعراض خلال اليقظة. وهكذا، تفتح دراسة الحلم الطريق الأكثر سهولة للوصول إلى معرفة اللاوعي المكبوت، بما في ذلك الليبيدو المستبعد من سيطرة الأنا.


أحلام المصابين بالعُصاب لا تختلف في أي نقطة أساسية عن أحلام الأفراد العاديين؛ وليس فقط أنها لا تختلف، بل إنه من الصعب التمييز بينها. وسيكون من العبث تقديم تأويل لأحلام المرضى العصابيين لا ينطبق أيضًا على أحلام الأفراد العاديين. لذا، يجب أن نقول إن الفرق بين العصاب والصحة يكمن فقط في الحياة اليقظة، ويختفي في الأحلام الليلية.


نحن مضطرون لتطبيق وتوسيع العديد من البيانات المستمدة من العلاقة بين الأحلام والأعراض العصابية لتشمل الأفراد العاديين. يجب أن نعترف بأن الشخص السليم يمتلك في حياته النفسية ما يجعل تكوين الأحلام والأعراض ممكنًا. ويجب أن نستنتج أيضًا أنه يمارس الكبت، وينفق جهدًا معينًا للحفاظ عليه، وأن نظامه اللاواعي يحتوي على رغبات مكبوتة لا تزال مليئة بالطاقة، وأن جزءًا من ليبيدوه مستبعد من سيطرة الأنا. الشخص السليم هو إذن عُصابي محتمل، لكن الحلم يبدو العرض الوحيد الذي يمكنه تشكيله. ومع ذلك، هذا ليس سوى مظهر، لأنه عند إخضاع حياة اليقظة للشخص السليم لفحص أكثر عمقًا، نجد أن حياته المزعومة السليمة مليئة بالعديد من الأعراض البسيطة، التي، رغم ضآلتها، ليست عديمة الأهمية تمامًا.

الفرق بين الصحة النفسية والعُصاب لا يعدو أن يكون فرقًا في الحياة العملية، ويتوقف على درجة اللذة والنشاط التي لا يزال الشخص قادرًا عليها. ويبدو أن هذا الفرق يقتصر على النسبة بين كميات الطاقة التي تظل حرة وتلك التي تكون معطلة بسبب الكبت. وبالتالي، يتعلق الأمر بفرق كمي وليس نوعيًا. ولا حاجة بي إلى تذكيركم بأن هذه الرؤية توفر أساسًا نظريًا للقناعة التي أعربنا عنها، وهي أن العصابات قابلة للشفاء من حيث المبدأ، رغم أن أساسها يكمن في الاستعداد البنيوي.


هذا هو ما يسمح لنا التشابه بين أحلام الأصحاء وأحلام المرضى العصابيين باستخلاصه فيما يتعلق بسمات الصحة. أما فيما يتعلق بالحلم نفسه، فإن هذا التشابه يؤدي إلى نتيجة أخرى، وهي أنه لا ينبغي فصل الحلم عن علاقاته بالأعراض العصابية، ولا ينبغي الاعتقاد بأننا فهمنا طبيعة الحلم لمجرد وصفه كصيغة تعبيرية بدائية لبعض الأفكار والمشاعر، بل ينبغي أن نقرّ بأنه يكشف عن مواقع وتثبيتات فعلية للطاقة الجنسية.


أوشكت على إنهاء عرضي. قد تشعرون بخيبة أمل لأنني كرست الفصل المتعلق بالعلاج التحليلي للنظرية فقط، دون التطرق إلى شروط بدء العلاج أو النتائج المستهدفة. لقد اقتصرت على الجانب النظري لأنني لم أقصد تقديم دليل عملي لممارسة التحليل النفسي، ولدي أسباب خاصة لعدم التحدث عن أساليبه ونتائجه. منذ المحاضرات الأولى، أخبرتكم أننا نحقق، في ظروف ملائمة، نجاحات علاجية لا تقل أهمية عن أبرز النتائج في مجال الطب الباطني، وأضيف أن النجاحات التي يحققها التحليل النفسي لا يمكن الوصول إليها بأي طريقة علاجية أخرى. إذا أخبرتكم بالمزيد، فقد تشكّون في أنني أحاول التغطية على الانتقادات المتزايدة ضدنا بالدعاية الصاخبة.


هدد بعض الزملاء بنشر قائمة بإخفاقات العلاج التحليلي النفسي والنتائج الكارثية التي يُزعم أنه تسبب بها، حتى في الاجتماعات المهنية العامة. لكن بعيدًا عن الطبيعة البغيضة لمثل هذا الإجراء، فإنه لن يتيح تقييمًا مناسبًا لفعالية التحليل النفسي كعلاج. التحليل النفسي كمنهج علاجي حديث العهد، وقد تطلب وقتًا طويلًا لتطوير تقنياته، وكان ذلك عبر العمل المباشر وردود الفعل المستمرة على التجارب. وبسبب الصعوبات التي تواجه تعليم هذا الفرع، يجد المحلل المبتدئ نفسه معتمدًا على قدراته الذاتية لتطوير مهاراته، مما يجعل النتائج التي يحققها في السنوات الأولى لا تعكس بالضرورة كفاءة العلاج التحليلي النفسي.


لقد فشلت محاولات علاجية كثيرة في بدايات التحليل النفسي لأنها جُرّبت على حالات غير مناسبة لهذا الأسلوب، والتي نعرف الآن أنها ليست ضمن نطاق العلاج. لكن هذه المحاولات كانت ضرورية لتحديد الإرشادات العلاجية. لم يكن بالإمكان معرفة مسبقًا أن البارانويا والخرف المبكر في أشكالهما الحادة لا يستجيبان للتحليل النفسي، وكان من المشروع تجربة المنهج على أنواع متنوعة من الأمراض. ومع ذلك، فإن العديد من الإخفاقات في تلك السنوات الأولى يمكن عزوها، ليس فقط إلى قلة خبرة المحلل أو سوء اختيار الحالات، بل أيضًا إلى الظروف الخارجية غير المواتية.


لم نناقش حتى الآن سوى المقاومة الداخلية التي يبديها المريض، وهي ضرورية وقابلة للتغلب. لكن هناك عقبات خارجية تنشأ عن البيئة المحيطة بالمريض، والتي يخلقها أقاربه، وهي بلا أهمية نظرية لكنها ذات تأثير عملي كبير. يمكن مقارنة العلاج التحليلي النفسي بالتدخل الجراحي؛ وكما هو الحال في الجراحة، لا يمكن تنفيذ العلاج إلا في ظروف تقلل من فرص الفشل إلى الحد الأدنى. يعرف الجراح جيدًا أهمية تحضير مكان مناسب، وإضاءة جيدة ومساعدة مختصة واستبعاد أقارب المريض. تخيلوا مدى صعوبة نجاح عملية جراحية إذا نُفذت بحضور جميع أفراد عائلة المريض وهم يعترضون على كل خطوة!


في العلاج التحليلي النفسي، وجود الأقارب يشكل خطرًا حقيقيًا لا يمكن السيطرة عليه. نحن مجهزون للتعامل مع المقاومة الداخلية لدى المرضى، ولكن كيف يمكننا مواجهة المقاومة الخارجية؟ يصعب إقناع العائلة بالبقاء خارج الأمر، ولا ينبغي أن نعقد اتفاقيات معهم، لأن ذلك قد يهدد الثقة التي يوليها المريض للمحلل. كثيرًا ما تكون العائلات، بدافع مصالحها الذاتية، أقل حرصًا على شفاء المريض مما قد يُتوقع.


هل تجدون، مع كل هذا، أن العلاج التحليلي النفسي وسيلة علاجية فعالة حقًا؟ خاصة وأن معظم إخفاقاتنا تُعزى إلى عوامل خارجية؟ لقد نصحني بعض أصدقاء التحليل النفسي بأن أعدّ إحصائية للنجاحات في مواجهة قائمة الإخفاقات التي تُنتقد بها طريقتنا. لكنني رفضت هذا الاقتراح. أوضحت أن الإحصائيات تكون بلا قيمة عندما تكون الحالات التي تشملها متباينة للغاية، كما هو الحال بالنسبة لأمراض نفسية متنوعة خضعت للعلاج التحليلي.


بالإضافة إلى ذلك، كان الوقت اللازم لإثبات استدامة الشفاء قصيرًا جدًا. وفي كثير من الحالات، ليس بالإمكان تقديم أي تأكيد قاطع بشأن هذا الأمر، خاصةً بالنسبة لأولئك الذين أخفوا أمراضهم وعلاجهم، وبالتالي كان علينا أيضًا كتمان شفائهم. لكن السبب الرئيسي لرفضي فكرة الإحصائية هو تجربتي مع الطريقة غير العقلانية التي يتعامل بها الناس مع الأمور التحليلية، والصعوبة الكبيرة في إقناعهم باستخدام الحجج المنطقية أو حتى التجربة والملاحظة.


في عالم العلاج، يتم استقبال التطورات الجديدة إما بحماس مفرط، كما حدث مع التوبيركولين الأول لكوخ، أو بشك غير مشجع، كما حدث مع التطعيم الفعال الذي قدّمه جينر، والذي لا يزال له معارضون حتى اليوم. التحليل النفسي واجه عداءً واضحًا. عند ذكر حالة صعبة شُفيت، يُقال لنا: “هذا لا يُثبت شيئًا، فربما كان المريض سيُشفى بدون علاجكم”. وعندما تعود أعراض مريض، يُلقى اللوم على التحليل النفسي باعتباره السبب.


في مواجهة هذه الأحكام المسبقة، ليس هناك ما يمكن فعله سوى الانتظار حتى يُبددها الزمن. يأتي يوم يغيّر فيه الناس رأيهم، لكن لغزًا يظل قائمًا: لماذا لم يفكروا في السابق كما يفكرون الآن؟


ورغم ذلك، ربما بدأت الأحكام المسبقة ضد التحليل النفسي في التراجع. أرى دليلًا على ذلك في الانتشار المستمر للنظريات التحليلية وفي زيادة عدد المعالجين الذين يمارسون التحليل النفسي في بعض البلدان.


لقد عاصرت في شبابي الطبي استقبالًا غاضبًا للعلاج بالتنويم المغناطيسي، بنفس الطريقة التي يُهاجم بها التحليل النفسي اليوم. لكن التنويم المغناطيسي فشل في النهاية كوسيلة علاجية. نحن، المحللون النفسيون، نرى أنفسنا الورثة الشرعيين له، ولم ننسَ الفوائد النظرية والعملية التي تعلمناها منه.


الإساءات المنسوبة إلى التحليل النفسي تتلخص في ظواهر عابرة ناجمة عن تكثيف الصراعات الداخلية، بسبب تحليل خاطئ أو توقف مفاجئ للعلاج. الآن بعد أن عرفتم منهجنا، يمكنكم أن تحكموا بأنفسكم ما إذا كان مجهودنا قد يتسبب بضرر دائم. نعم، التحليل النفسي عرضة لسوء الاستخدام، خاصةً فيما يتعلق بتحويل المشاعر، لكن هل توجد أي وسيلة علاجية محصنة ضد الإساءة؟ حتى المشرط، كأداة للشفاء، يمكن أن يجرح.


أخيرًا، أعترف بالنواقص التي تشوب هذه المحاضرات. كثيرًا ما وعدت بالعودة إلى موضوعات محددة دون أن أفي بذلك بسبب مسار العرض. قدمت لكم مادة لا تزال في تطور، مليئة بالثغرات، ولذلك أصبح عرضي نفسه غير مكتمل. لكن هدفي لم يكن أن أجعلكم مختصين، بل أن أنيركم وأحفزكم.



مدخل إلى التحليل النفسي” (1916).