سيرج اندريه
(محلل نفساني فرنسي ١٩٤٨ – ٢٠٠٣)
المــــازوخــــيــــة
حالة سريرية
ترجمة: عبد الهادي الفقير
سأقدّم إشكالية المازوخية من خلال عرض الخطوط العريضة لملاحظة سريرية.
يتعلّق الأمر بشاب استقبلته لمدة عام ونصف، ويُظهر سمات مميزة للانحراف المازوخي. كانت طلبات هذا المريض تتعلق أولًا بقلقه، وكذلك بتردده في تحديد موقعه كمتحول جنسياً. كان يطلب مني إذًا مساعدته على تبديد نوبات القلق التي يعاني منها، كما كان يطلب مني النصح بخصوص القرار الذي ينبغي أن يتخذه، إن كان عليه أن يخضع لعملية جراحية أم لا. ويبدو أن هذا الطلب الثاني كان أكثر غموضًا، إذ إنه كان يفكر، من دون تردد، في الخضوع لعلاج هرموني يهدف إلى تأنيث جسده، لكنه كان يتراجع حين يتعلق الأمر ببتر أعضائه التناسلية. ومع ذلك، كان يعرّف نفسه كمتحول جنسيًّا، استنادًا إلى مقالات قرأها في الصحف.
كان يبلغ من العمر 21 سنة، وينحدر من وسط متواضع، ولم تكن لديه أدنى فكرة عن التحليل النفسي. كان موظفًا في إحدى الإدارات، وقد تزوّج قبل عام بزميلة قال لي إنها شخص بسيط جدًا لكنها صادقة ووفية.
توفّيت والدته عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وقد شكّل ذلك الحدث مأساة كبرى في حياته، بينما بدا ما تبقّى من حياته هادئًا في الظاهر. ومنذ ذلك الحين، عاش مع والده في ظروف غريبة نوعًا ما، كما بدا لي. أما هو فقد اعتاد على غرابة سلوك والديه، ولم يكن يرى ما يدعو إلى الاستغراب في الوضع.
فمنذ اليوم التالي لوفاة والدته، اقترح عليه والده أن ينام هو أيضا مع أبيه في غرفة النوم، متذرّعًا برغبته في تحويل الغرفة التي كان يشغلها الابن إلى نوع من المتحف أو الضريح تكريمًا لذكرى الراحلة. وهكذا، أصبح هذا الشاب يشغل فعليًا مكانة الأم. لم يكن هناك تواصل جسدي بالمعنى الحرفي للكلمة بينه وبين والده، لكن الوضع كان بالفعل وضعًا هادئًا. زوج غريب الأطوار، لأنّ الأب كان يتصرف في المنزل كربـَّة منزل مثالية وأم حنون. فمثلًا، كان يُصرّ على أن يُلبس ابنه بنفسه كل صباح، بينما الابن، من جهته، كان يُخفي بعناية عن والده ارتداء الملابس الأنثوية التي دأب على ممارستها منذ الطفولة بتواطؤ من والدته.
كان هذا الفتى يشعر دائمًا بكونه فتاة. ورغبته الملحة في تغيير جنسه تتوافق تمامًا مع ما كانت أمه تريده له. فقد كانت هذه الأخيرة ترغب في أن تُرزق بفتاة، ولا تريد سوى فتاة. إلى حد أنه، عندما أخبرها الطبيب الذي أشرف على ولادتها بأنها أنجبت صبيًّا، رفضت لمسه ولم تذهب لرؤيته طوال يومين. وبعد ذلك، منذ الطفولة المبكرة، لم تتوقّف عن اغتنام كل الفرص لتُلبسه كفتاة وتُعلّمه ما يُعلّم عادةً للفتيات: كالحياكة، والخياطة، واللعب بالدمى، وغيرها. سواء أكان الأمر صدفة أم تجسيدًا لتوقّع دقيق، فقد اضطر هذا الفتى للخضوع لعملية جراحية في سن الثانية عشرة تقريبًا، من أجل إنزال الخصيتين اللتين بقيتا داخل الجسم. وقد خضع لهذه العملية على مضض، لأنه كان في ذلك العمر قد اعتاد تمامًا على وضعه كفتاة، وكان يُدرك أنه، بهذه الطريقة، يفقد كل أمل في أن يكون له يومًا جسد أنثوي.
بدأ يلبس الاثواب النسوية حوالي سن السادسة، حين سرق لأول مرة جوارب من والدته. وسرعان ما اعتاد أن يلوذ بخزانة ملابس أمه، ليستنشق رائحتها، ثم يخرج منها حاملًا بعض الملابس الداخلية. وذات يوم، ضبطته والدته وهو يتأمّل نفسه في المرآة، مرتديًا جواربها، وسترة عورتها، وحمالة صدريتها. شعر حينها بالخجل، لكن والدته لم تقل له كلمة واحدة. أعاد الملابس الداخلية إلى الخزانة حيث أخذها، لكنه فوجئ في المساء بوجود جوارب أمه تحت وسادته. كانت تلك لفتة رقيقة من أم حريصة على ألا تُحبِط ابنها الصغير أكثر من اللازم.
منذ ذلك الحين، ومن دون علم الأب، نشأت بينه وبين والدته علاقة تواطؤ ضمني. فقد كان له الحق في الاحتفاظ بجوارب أمه وارتدائها عند عودته من المدرسة، إلى حين رجوع والده إلى البيت.
ويكتمل هذا المشهد العائلي بما يحمله من التباس عبر الاسم الذي أُعطي لهذا الصبي عند ولادته، وهو اسم غامض تمامًا، لم يكن سوى تصغير لاسم كانت الأم قد اختارته أصلًا لابنتها المنتظَرة.
الأب، الذي لم يكن غائبًا تمامًا عن كل ذلك، بل كان مخدوعًا ببساطة بتواطؤ الأم مع الطفل. على أي حال، يبدو أنه كان رجلًا لا يميل كثيرًا إلى التدخل في شؤون البيت أو في تربية ابنه، وكان، في كثير من سماته وتصرفاته، ذا طابع أنثوي إلى حدٍّ ما. باختصار، لقد «ترك لزوجته تدبير الأمور»، إلا أنه ربما يجهل تمامًا أن هذه الأخيرة كانت، من وراء ظهره، تشارك تلك الأمور مع ابنهما.
وبعد بضع سنوات، أصبح ذلك الصبي شابًّا ذا حياة داخلية مغلقة تمامًا. كان يشعر دائمًا أنه ملزم بأن «يكون رجلًا»، على حدّ تعبيره، كي يؤدي دوره كموظف أو كحامل للبنطال. لكن ما إن يحلّ المساء، ويعود من عمله، حتى يتمكن أخيرًا من التخلي عن قناعه الذكوري، فيتزيّن، ويرتدي ملابس النساء، وينصرف إلى أنشطة أنثوية كالحياكة، والخياطة، وغسل الصحون، والطبخ، وما إلى ذلك.
لا توجد لديه أي رغبة في الاستعراض أو في التردد على أوساط المتحولين جنسيًا. فهو يشعر بالنفور منهم ويعيش دائمًا في حالة تأهّب، خائفًا من أن يُكشف أمره. ومع ذلك، يحدث له بانتظام أن يذهب إلى المكتب مرتديًا جوارب طويلة من النايلون أو ملابس داخلية نسائية.
وحين أشرت بسرعة إلى أن ما يُسمّى «تحوّله جنسي» قد يشكّل محاولة للإجابة عن لغز انتمائه الجنسي كما تكون من خلال رغبة أمه، اعترف لي حينها بأن هذا ليس كل شيء، وبدأ، خلال جلسات شديدة الصعوبة، في كشف الجزء الأساسي من ممارسته.
فكان لا يكتفي بارتداء ملابس النساء، بل كان ضروريا أيضًا، مرة واحدة في الشهر على الأقل، أن يتم ربطه وضربه من قِبل امرأة، بشرط أن تحصل المرأة — وهذا شرط أساسي، وإن لم يتحقق يومًا فعليًا — بمتعة جنسية وهي تضربه وتهينه.
ثم بدأ يصف لي، بأدق التفاصيل، سيناريوهاته المازوخية: يجب عليه أولًا أن يضع مساحيق التجميل ويرتدي ملابس نسائية، ويفضّل أن تكون هذه الملابس ضيقة تُبرز شكل جسده. ثم، بينما يتجوّل في الغرفة متظاهرًا بأنه يقوم بالأعمال المنزلية — كأن يكنس بالمكنسة الكهربائية أو يغسل الصحون، مثلًا — ينبغي على شريكته أن تهينه، وتُغرقه بالملاحظات القاسية حول سوء تدبيره للبيت، وتأمره بأداء هذا العمل أو ذاك.
بعد ذلك، يجب أن يُربط إلى عمود، وقد اشترى سريرًا ذا أعمدة خصيصًا لهذا الغرض، ويُشدّ الوثاق بقوة شديدة بحيث يُربط بإحكام، وتترك الحبال أو السلاسل آثارًا على جلده، حتى يكاد لا يستطيع التنفس. وغالبًا ما يُربط عنقه إلى حدّ الاختناق.
وفي النهاية، يجب على شريكته أن تجلده بقوة شديدة مع إهانته بالكلمات، وذلك حتى النهاية.
من الواضح أنه يجد صعوبة كبيرة في العثور على شريكات يقبلن بهذا النوع من «العَقد». فهو يعرف بعض الباغيات والمتخصصات اللواتي على استعداد لتلبية متطلباته. لكن الأمر يكلّفه مبالغ طائلة، ثم إنه متيقّن تقريبًا أنهن لا يستمتعن جنسيا بفعلهن. فما يتمناه بالخصوص هو أن يلتقي بامرأة تقوم بذلك بدافع المتعة الخالصة.
لذلك، يُنفِق تقريبًا كل ما يجنيه في نشر إعلانات وجيزة في مجلات متخصصة، أو في السفر إلى دول مجاورة كلما سمع بوجود «جلّادة» متاحة. لكنه يعود دائمًا خائب الأمل. فإما أنه لا يتلقى أي ردّ، أو أن «الجلادة» المزعومة لم تكن كذلك حقًا. وهكذا يبقى مع إعلانه الوجيز، مع عرضه التعاقدي الذي لا يتوقف عن إعادة صياغته وتعديله بشكل شبه يومي.
ومع ذلك، لقد منحه القدَر نوعًا من التعويض إذ أن زوجته قبلت بعاداته في التنكّر، بل يبدو أنها تستمتع بها إلى حدّ ما. فهي لا تتردّد في إذلاله ومعاملته بصرامة حين يرتدي ملابسه النسائية ويبدأ بأداء الأعمال المنزلية بعد عودته من المكتب. وهي مستعدة أيضًا لمعاملته بشيء من القسوة كي يتمكن من إيصال العملية الجنسية الى ذروتها.
فهي لا تمانع في قرص حلمات ثدييه حتى إدمائها أو إدخال أشباه قضيب من حجر في أسته، ولا ترفض أن تربط يديه خلف ظهره، أو أن تضغط صدره بالسلاسل. لكنها تتراجع عندما يتعلق الأمر بضربه فعليًا، أي بإلحاق ألم شديد به.
وهنا تكمن المشكلة، فذلك بالضبط ما أصبح هذا الرجل يطلبه بإلحاح متزايد، وهو ما يدفع زوجته إلى البكاء. بحيث تقول إنها لا تستطيع أن تفعل به ذلك، لأنها، ببساطة، تشعر بخوف شديد.
وهكذا، سواء مع الآخرين أو مع زوجته، لا يمكنه إلا أن يصطدم بحدّ، وهو حدّ يهدّد متعته ذاتها. فإذا تراجعت الشريكة ولم تست فهو لا يستمتع لكن إذا تظاهرت بأنها لا تتراجع وقبلت متطلباته— وهو ما حدث له أحيانًا خلال لقاءات لا تُنسى — فإن غياب الحدّ هذا يحتاج دومًا إلى إثبات، لأن منطق عَقده يفترض في النهاية أن الآخر يجب أن يظل دائمًا موضع شك في مدى وفائه بالتزاماته.
وما يلفت الانتباه في هذا الهوام وفي تجسيده، هو أوّلًا ظهوره المبكر للغاية، مما يدلّ بوضوح على أنه يحمل طابع تركيب طفولي. فهو يقول إنه اكتشف هذا السيناريو في سن السابعة، خلال لعبه مع فتاة من الجيران.
كان الطفلان يلعبان لعبة “الكاوبوي والهنود”، وكان من المعتاد في هذه اللعبة أن يُمسك الكاوبوي بالهندي ويجعله أسيرًا. وكان هو يربط رفيقته إلى عمود التعذيب.
لكن في أحد الأيام، بعد أن تبادلا الأدوار، وجد نفسه هو المربوط إلى العمود، بينما «الهندية» الصغيرة عادت إلى بيتها، تاركة إياه على حاله هناك. ويتذكّر أنه شعر حينها بخوف شديد، وبكى وطلب النجدة، ثم فجأة، غمره إحساس غريب بالسعادة، جعل جسده في حالة من السكون العميق.
ومنذ ذلك اليوم، كما يقول، عرف أن لذّته تكمن هناك، مشروطة بالقيود والنهاية المهينة.
ومن الأمور الأخرى اللافتة جدًا هي أهمية القيود، سواء كانت حبالًا أو سلاسل، والتي يجب أن تُشدّ عليه بشدة بحيث لا يعود قادرًا على الحركة، ويجد صعوبة حتى في التنفّس. إنه لم يتوقف عن العودة إلى هذه النقطة التي تظلّ بالنسبة له غامضة، لأنها تمثّل مصدر عدم رضى دائم. فهو لا يُشدّ أبدًا بما فيه الكفاية، وبالمعنَيَين: لا عدد القيود كافٍ، ولا شدّها عليه يكفي. إنه دائم السعي إلى المزيد، ولا شيء يبدو كافيًا له، وكأن القيود لا تضغط عليه كما يجب.
ويقول، بنفس نبرة التذمّر، إن شريكاته يخَفن من شدّ القيود أكثر أو من ضربه بقوة أكبر بالسوط. فما يطلبه من شريكته لا يقتصر على الضرب القاسي، بل من الضروري، وهذا أساسي، أن تهينه وأن تعاملَه كما لو كان لا شيء، وأن تعطيه أوامر، وأن تكتسب ثقة في فعل ذلك.
كما يَشترط أيضًا أن تظهر أمامه بلباس محدّد: مرتدية جزمة عالية أو حذاء جلدي أسود طويل يصل إلى الفخذ، وقفازات سوداء طويلة، ووجهها نصف مخفيّ بقطعة من المخمل الأسود. أو في نسخة أخرى من المشهد، أن تكون مرتدية زيّ شرطية.
إن الأسئلة التي تثيرها هذه الحالة يمكن، في نظري، ردّها إلى ثلاثة محاور كبرى: القلق، الأنوثة، ومسرح الشذوذ، إن صحّ التعبير.
فالقلق، لدى هذا المريض، لم يبدُ لي مرتبطًا بخطورة بعض ممارساته أو بالخوف من الفضيحة في حال انكشاف وضعه، بقدر ما كان مرتبطًا بعلاقته الغريبة مع والده. إن منطق التواطؤ الذي جمعه بأمه كان يدفعه إلى اتخاذ موقف معيّن أمام الأب، موقف أنثوي من شأنه التخفيف من حدة القبضة القوية، وهو منطق مسدود، لأن هناك شيئًا كان يثير الرعب في نفس هذا الشاب: إنه الجنسية المثلية.
ومع ذلك، بدأ يكتشف خلال التحليل أن موقفه تجاه الأب أصبح أكثر فأكثر موضع جنسمثلية. من هنا نتج انجذابه نحو التحول. فمن جهة، يشكل هذا التحول عنده وسيلة دفاع ضد الجنسمثلية: فإذا تحوّل إلى امرأة، فلن يكون عرضة للجنسمثلية. ومن جهة أخرى، كان يفضّل أن يُخصى على يد الجراح على أن يواجه تهديد الخصاء الأبوي. لقد كان يستبق الخصاء على أرضه الخاصة، متحصّنًا داخل وضعية أنثوية، وهو مأوى يبدو له أكثر أمانًا، لأن المرأة في نظره، ليست مخصية فعليًا.
وهكذا، كلما حاول أن يهرب من الخصاء، ازداد انخراطه في خصاء نفسه بيده. وما زاد الأمور تعقيدًا بشكل كبير، هو أن والده نفسه بدا وكأنه يشاركه هذا الموقف، إذ اتخذ بدوره موقفًا أنثويًا، وكأنه دخل في علاقة «تأنّث» متوازية مع ابنه.
تتجلّى إشكالية الأنوثة لدى هذا المريض في فعل يتوزّع على جانبين يبدوان في الظاهر متناقضين: جانب الخضوع وجانب التحدي. لكن ما يربط بين هذين الجانبين ويوحّدهما هو طابع التمثيل، التنكّر، بل حتى المهرجية، الذي يتّخذه حين يتبنى علاماتهما.
فمن جهة، يضع نفسه كامرأه خاضعة أمام والده ليبدو وكأنه صبيّ، لكنه في السيناريو المازوخي يتحوّل إلى جسد مهان، نفاية مذلّة، يتحدّى بها شريكته الأنثى. وأمام هذه الأخيرة، لا يعود الخصاء شيئًا يُخشى، بل تتحوّل إلى مطلب، مطلب منتصر بمعنى أنه يثبت من خلاله أن الآخر يتراجع دومًا عن خصائه.
وربما كان هذا هو المعنى الأعمق والأكثر غموضًا في طلبه، ذلك الطلب الذي وجّهه إليّ حين جاء يطلب مني أن «أحسم الأمر»، بالمعنى الحرفي، دون تردّد، وأن أمضي به إلى طاولة الجراحة.
أما بالنسبة للسيناريو المازوخي الذي كان يجسّده، فمن اللافت أنه، على الأقل في بداية التحليل، لم يكن يرى فيه أي جانب من جوانب الهوام، على الرغم من الطابع المسرحي الصارخ للمشهد.
لقد كان جزءًا من العملية التحليلية أن يُدرِك شيئًا فشيئًا أنه لم يكن فقط ممثلًا، بل حتى دميةً في مسرحية يكتشف نصّها وهو يؤديها، بل إنه كان أيضًا المخرج والمشاهِد في الوقت نفسه. أي أنه لم يكن فقط الجسد المربوط إلى العمود، بل كان أيضًا المرأة، أو السوط، بل والنظرة الموجّهة إلى المشهد من الخارج.
وبما أنه كان يقضي وقته في صياغة إعلاناته الوجيزة للمجلات المتخصصة، وكان يعترف بنفسه أنه يسعى إلى أن يبلغ فيها أسلوبًا محكمًا ودقيقًا، استنتجتُ أنه قد يجد شكلاً من أشكال «الارتباط» أو التقيّد من خلال الكتابة. ولم أتوقف عن تشجيعه على كتابة سيناريوهاته.
وقد تبع اقتراحي، بطبيعة الحال، بخضوع واضح. وبعد بضعة أشهر من التحليل، أعلن لي أنه انتهى من كتابة «رواية» كما أسماها، تتكوّن من سلسلة من المشاهد المازوخية. وتحدّث عنها كما لو كانت ولادة حقيقية.
وبالفعل، كان قد أنجز شيئًا يشبه توليدا هواميا، يجسّد علاقته بـ«اسم الأب» تمامًا كما بعلاقة الحمل لدى الأم، بحيث أن هذا الشخص كان يسمى “الكتاب” تقريبا.
وقد تبع ذلك نوع من التهدئة النسبية في المرور إلى الفعل، وهدأت نوبات القلق بشكل ملحوظ، وهو ما يمكن تفسيره أيضًا بقراره آنذاك إدخال قطيعة في علاقته بأبيه، لأنه، رغم زواجه، كان لا يزال يعود للنوم عند والده ليلتين في الأسبوع.
وفي تلك اللحظة من التخفّف النسبي، أنقط عن مواصلة التحليل.