لاكان : كتاب الذهانات - فهرس وتقديم




 صدر الكتاب عن دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع 





فهرس 



مدخل لمسألة الذهانات
1- مدخل لمسألة الذهانات
2- دلالة الهذيان
3- الاخر (الاكبر) والذهان
4- «إني آتية من عند بائع لحم الخنزير»

مضمون وبنية الظاهرة الذهانية 
5- في إله يخادع وآخر لا يخادع
   ـ إضافة
6- الظاهرة الذهانية وآليتها
7- الاندثار الصوري
8- الجملة الرمزية
9-  في اللامعنى وفي بنية الاله
10- في تمظهر الدال في الواقع وفي معجزة العويل
11- فيما يتعلق برفض دال أولي

في الدال والمدلول
12- سؤال الهستيريا
13- ماهية امرأة
14- الدال في حد ذاته لا يدل على شيئ
15- في الدلالات الأولية ونقصان واحد منها
16- أمناء سر مسلوب العقل
17- الإستعارة والكناية (1)
18- الإستعارة والكناية (2)
19- محاضرة : فرويد في القرن

جوانب الثقب 
20- النداء والايماءة
21- نقطة الغرزة
22- «أنت الذي ستتبعني»
23- الطريق الرئيسي ودال "الأب"
24- "أنتَ"
25- الفالوس والشِّهاب






تقديم


ما من شك بأن جاك لاكان يعتبر من أشهر المحللين النفسانيين بعد فرويد. وإنه بعد فرويد أكثر المحللين عطاءا في مجال التحليل وأفيدهم. لقد ترك خلفه عطاءا قيما همه الأساسي استرجاع التحليل النفسي لمضمونه الحق ولمساره الأصوب كما سنَّهما فرويد وحاد عنهما الخلف بالتجويف والتحريف. وزيادة على النصوص المكتوبة التي خطها لاكان بيده والتي ليست باليسيرة، فإن القسط الأوفر من عطائه كان على شكل تدريس واظب على القيام به بدون توقف لفترة تفوق الثلاثين عاما. ومنذ وفاة لاكان حتى الآن والعمل مستمر على تدوين هذه الدروس الشفوية ثم تحقيقها ونشرها على شكل سلسلة كتب تنقل خطيا ما قاله لاكان في سيمناره المسترسل على مدى ثلاثة حقب متتالية. وهذا الكتاب الذي نحن بصدد ترجمته ونقله الى العربية، هو الكتاب الثالث من سيمناره، تطرق فيه بالخصوص الى مسألة الذهان.

كان لاكان في بداية حياته المهنية طبيبا نفسيا. ولقد اهتم آنذاك كثيرا بالمرضى الذهاننين كما تدل على ذلك كتاباته الأولى. إلا أن اندراجه في التحليل النفسي في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، فتح أمامه بابا واسعا بشأن مسألة الذهانات التي خصص لها، انطلاقا من هذا المنظور، مضمون سيمناره على مدى سنة بكاملها تمتد من نونبر 1955 الى يوليوز 1956.

من بين أهداف لاكان في هذا الكتاب هو تبيان المآزق والمزالق التي تكتنف الإقتراب الطبنفسي للذهان وكذلك التنبيه الى الفهم الخاطئ بصدد التحليل النفسي والذي يصبو، عن قصد أو غير قصد، الى جعل هذا الأخير مجرد وسيلة وأداة يمكن إضافتها للطب النفسي حتى يتقدم في فهمه المزعوم للحمق. لذا نجد لاكان في هذا الكتاب لايفتأ في التنبيه الى سلبيات الفهم القبْلي والمتسرع بل وبمخاطره في هذا المجال. فهذا الفهم المسبق الذي يزعمه مختصوا الأمراض العقلية بخصوص الذهان ما هو الأ مجرد سراب في سراب كما يقول. فلا الطب النفسي بأكمله ولا حتى التحليل النفسي بعد تطويعه لخدمة القيم المجتمعية على حساب تحرر الذات، لن يفلحا من شيئ في تقصي الظواهر الذهانية إذا ما بقيا على تعنتهما في البقاء بمقام الفاهم والعارف المتعالي أمام هذه المظاهر. 

فها نحن نرى لاكان يشدد في النصح بقراءة فرويد مجددا ويوصي بإعارة أشد الإنتباه الى الكيفة التي كان يباشر بها الأمور التي تخص الحمق. إن عبقرية فرويد في هذا المجال، برأي لاكان، تكمن بالأساس في قراءته المتميزة والممتازة لنص مكتوب بِيَد شخص عظامي إسمه شريبر Schreber، إنفجر عظامه عندما تمت ترقيته، وهو في الخمسين من عمره، رئيساً لمحكمة الإستئناف بمدينة دريسد بألمانيا. لقد خط الرئيس شريبر كتابه هذا سنة 1903، بعدما استفحل به المرض وتم الزج به في مستشفى المجانين لمداواته قسرا عن أنفه. كتب شريبر مؤلَّفه تحت عنوان ”مذكرات مريض بالاعصاب" وكان يبغي من هذا الكتاب هدفين : الهدف الأول هو الدفاع عن نفسه حتى يتم الإفراج عنه من الحجز التعسفي الذي تعرض له جراء مرضه، ولقد أفلح في ذلك. أما الهدف الثاني فهو إطلاع عامة الناس والمختصين أساسا بما اختبره أثناء هذيانه من أشياء وأحداث بالغة الأهمية في نظره، حتى يزداد بها العلم تقدما والعرفان منفعة.

فحسب لاكان إذن، تكمن عبقرية فرويد، عند اهتمامه بهذه الشهادة المكتوبة، بكونه لم يبتعد ولو قيد أنملة عما صرح به هذا الرجل العظامي الفذ. إنه حرص كل الحرص، أثناء قراءته وتأويله لكلام شريبر المكتوب، على أن يعير كل الإنتباه الى هذا الكلام والى ما يحاول التعبير عنه من خبرة ذاتية جمَّة الدلالة. أما الطب العقلي في نظر لاكان، فلقد ابتعد منذ نشأته ولازال، كلما تقدم به الزمن، يبتعد رويدا رويدا عن كلام المريض، للأستعانة بدلا عنه بتنظيرات عضوانية أو سيكلوجوية أو ثقافية، ترمي بنفسها ومن دون تمحص في ماء الأيديولوجيات العكر، معتمدة  بالأساس على القيم الأخلاقية والمعالم الإنضباطية والأنماط السلوكية كركيزة لتحرياتها. أما التحليل الفرويدي فهو على العكس، بقي ملتصقا بكلام ذات المريض، يستقصي من هذا الكلام، وليس من سواه، تجارب الذات المعاشة والخبرات التي تنفرد بها وأن كانت من باب الحمق. 

قبل الخوض في مسائل العلاج بخصوص الذهان، يجب تحديد ماهية الذهان وتدقيق بنية تكوينه واستجلاء الأليات التي تتحكم في سيروراته. فما دمنا لم نقم بهذه التقصيات النظرية والعيادية الأولية فإن الحديث في مسائل العلاج يبقى مجرد هراء وكذلك فإن الإنسياق في تطبيقات هذا العلاج لن يتم إلا خبط عشواء. فمن بين ما كان يصبو اليه لاكان في هذا الكتاب هو توضيح الفصل بين العصاب والذهان حتى لا يستمر الخلط بينهما كما كان عليه الحال رغم ما قدمه فرويد في هذا المجال. إن لاكان يعتبر أن كل ذات أثناء تكونها تصطدم بدال ملغِز، إلا أن تبعات لقاء الذات بهذا الدال تختلف جذريا في حالة العصابي منها في حالة الذهاني. 

ففي العصاب يكون الآخر الأكبر بمثابة المقام الذي به تتأسس الذات المتكلمة وكذلك الذات المستمعة. وهذا يفترض مسبقا تأسيسا وتنظيما وترتيبا للمجال الدلالي، ترتيبا يتوقف على وجود وسيط ثالث، إذ كما يقول لاكان " لابد من وجود قانون، من تواجد سلسلة، من انتظام نظام رمزي. لابد من تدخل نظام الكلام، بمعنى تدخل الأب" وبالضبط على شاكلة إسم-الأب. 

إن العصابي، كما يقول لاكان، يتوكل على وظيفة ألاب الرمزية ويستند إليها في تقبل تساؤلاته وقبولها. إنها الوظيفة التي ترتكز عليها العقدة الأوديبية في تكوينها وتبلورها، وترتكز عليها بصفة أشمل وأوسع كل ذات الفرد في نضجها ونموها. فالأب، انطلاقا من وظيفته الرمزية هاته هو الذي يحوز على الفالوس والذي يمتلك الأم شرعا.
وهكذا فبالنسبة للإنسان بصفة عامة وخصوصا بالنسبة للإنسان المعاصر لسيادة الخطاب العلمي فإن علاقته بنظام الدال، تتأسس وتنتظم بواسطة العقدة الأوديبية. ففي إطار علاقة هذا الإنسان بآخره الأكبر، يستفسر إنسان عصر الخطاب العلمي المسائل التي تهم وجوده كمسألة وضعية انتمائه الجنسي (أهو ذكر أم أنثى ؟) ومسائل أخرى لا تقل أهمية كمسألة التسلسل الجيلي ومسألة الموت وما إليها من المسائل المستعصية بكونها مرتبطة لا محالة بالتعرف والإعتراف الرمزيين. 

أما في الذهان فالأمر غير ذلك بحيث أن شللا أو تعطلا ما قد أصاب مركز العقدة الأوديبية، تعطلا سيربطه لاكان في نهاية الكتاب بالشلل الذي يحدث لوظيفة الأب في التركيبة النفسية للذهاني. فهذا التعطل المركزي يجعل الآخر الأكبر ينسلخ عن ذات الفرد مما يمنعه من رفع تساؤلاته إليه. وهكذا يكون الذهاني ملزما، كما هو الحال بالنسبة لشريبر، بابتكار ذاتي وتركيب شخصي وخاص لشبكة ذات شكل رمزي يحاول من خلالها ابتداع إجابات مُرضِية الى حد ما لتساؤلاته بخصوص القضايا الوجودية الكبرى بالنسبة إليه.