مفهوم التحويل
التحويل في التحليل النفسي هو مفهوم أساسي يشير إلى العلاقة العاطفية التي تتطور بين المحلل والمريض أثناء العلاج. يُعتبر التحويل عملية نفسية غير واعية يعيد من خلالها المريض توجيه مشاعره ورغباته، التي كانت مرتبطة بشخصيات مهمة من ماضيه (مثل الوالدين)، نحو المحلل.
هذه المشاعر يمكن أن تكون إيجابية (حب، إعجاب) أو سلبية (غضب، رفض)، وهي جزء من التفاعل الديناميكي بين المريض والمحلل. التحويل يُظهر نفسه من خلال إعادة تمثيل الصراعات اللاواعية للمريض في إطار العلاقة التحليلية.
أنواعه:
1. التحويل الإيجابي: يتجلى في مشاعر الحب والثقة تجاه المحلل.
2. التحويل السلبي: يتجلى في مشاعر العدوان أو الرفض.
3. التحويل الجامح: عندما تصبح مشاعر التحويل شديدة لدرجة تعيق العملية العلاجية.
أهميته:
• التحويل أداة أساسية لفهم الصراعات النفسية اللاواعية لدى المريض.
• يتيح إعادة استكشاف الصراعات العاطفية السابقة داخل إطار آمن.
• يساعد المحلل على تقديم تفسير لصراعات المريض من خلال فهم ديناميات التحويل.
التحويل المضاد:
على الجانب الآخر، يُشير إلى المشاعر التي يثيرها المريض في المحلل، والتي قد تكون مرتبطة بصراعات المحلل نفسه. يجب أن يكون المحلل واعياً بها لتحييد تأثيرها وضمان الموضوعية في العلاج.
باختصار، التحويل يُعد محوراً أساسياً في التحليل النفسي، لأنه يكشف عن العلاقات اللاواعية السابقة ويعيد إحياءها، مما يتيح للمريض فهمها والعمل عليها بوعي.
التحويل عند لاكان
التحويل عند جاك لاكان هو مفهوم معقد يتجاوز الفهم التقليدي للتحويل كما طرحه فرويد. بالنسبة للاكان، التحويل ليس مجرد إعادة توجيه المشاعر أو الصراعات اللاواعية تجاه المحلل، بل هو جزء أساسي من بنية العملية التحليلية نفسها ويشكل “مكانة” أساسية للحقيقة التي يتم التعبير عنها في الخطاب. يُنظر إليه باعتباره مرتبطًا بشكل أساسي بمكانة الآخر الكبير (l’Autre) وبالدور الذي يلعبه المحلل في هذه الديناميكية.
أهم ملامح التحويل عند لاكان:
1. التحويل كعلاقة رمزية:
• يرى لاكان أن التحويل مرتبط بالنظام الرمزي (le Symbolique) الذي يُعتبر أحد الركائز الثلاثية في عمله (الرمزي، الخيالي، والواقعي).
• المحلل يمثل “الآخر الكبير” الذي ينظر إليه المريض كمن يمتلك المعرفة عن رغباته وصراعاته اللاواعية.
2. المحلل كموضع للمعرفة المفترضة:
• يصف لاكان المحلل بأنه “موضع للمعرفة المفترضة” (le sujet supposé savoir).
• التحويل يحدث لأن المريض يفترض أن المحلل يعرف الحقيقة عن رغباته اللاواعية.
• هذه الفرضية تتيح للمريض أن يعبر عن لاوعيه، وهو ما يجعل العلاقة التحليلية ممكنة.
3. التحويل والخيالي:
• التحويل يمكن أن ينزلق إلى المستوى الخيالي (Imaginaire) عندما يصبح مشحونًا بالمشاعر الشخصية التي تعرقل التحليل.
• في هذه الحالة، يهدف المحلل إلى إعادة توجيه العلاقة إلى المستوى الرمزي.
4. التحويل كوسيلة لاكتشاف الرغبة:
• في عملية التحليل، التحويل يُظهر العلاقة بين المريض ورغبته.
• من خلال خطاب المريض وتحليل التحويل، يمكن الكشف عن رغباته اللاواعية والصراعات المرتبطة بها.
5. التحويل كعنصر مزدوج:
• بالنسبة للاكان، التحويل يحمل طابعًا مزدوجًا:
• تحفيزي: ضروري لتقدم العلاج.
• معرقل: يمكن أن يتحول إلى مقاومة إذا أصبح الخيالي هو المسيطر.
الفرق عن الفهم الفرويدي:
• فرويد يرى التحويل كإعادة إحياء للماضي مع شخصيات بديلة (المحلل)، بينما لاكان يعتبره بنية مميزة للعلاج التحليلي ترتبط بمكانة الآخر الكبير وباللغة.
• عند لاكان، التحويل ليس مجرد عقبة يجب التغلب عليها، بل هو الشرط الذي يجعل التحليل ممكنًا.
دور المحلل في التحويل:
المحلل عند لاكان ليس مجرد متلقٍ للمشاعر، بل يلعب دورًا نشطًا من خلال الحفاظ على “الفراغ” الذي يجعل المريض يواجه رغباته. المحلل يجب أن يبقى في موقع حيادي، لا يدخل في الخيالي أو يُظهر ذاته كمصدر للمعرفة، بل يستمر كمرآة تعكس ما يقدمه المريض من صراعات وخطاب.
الخلاصة:
بالنسبة للاكان، التحويل ليس حدثًا عرضيًا أو مجرد أداة تحليلية، بل هو شرط أساسي لإقامة العلاقة العلاجية. يكمن الهدف في استخدام التحويل للكشف عن البنية اللاواعية للمريض، مع الحفاظ على موضع المحلل كـ”الآخر الكبير” الذي يتيح لهذه البنية أن تظهر وتتفكك في إطار العلاج.
التحويل في العصاب
في العصاب، صيغة التحويل (ou la formule du transfert) تأخذ طابعًا مميزًا مرتبطًا ببنية العصابي، حيث يعتمد التحويل على علاقة المريض بالعالم الرمزي، الخيالي، وبالآخر الكبير (l’Autre). يتمثل التحويل في العصاب في محاولة المريض مواجهة صراعاته اللاواعية، خاصة المتعلقة بالرغبة، من خلال علاقة تحويلية تعيد إنتاج ديناميته النفسية.
أهم ملامح التحويل في العصاب:
1. التحويل كتكرار للصراع الأساسي:
في العصاب، التحويل يظهر من خلال تكرار المريض لصراعاته اللاواعية تجاه شخصيات رئيسية في حياته الماضية، ويتم إسقاطها على المحلل.
• العصاب الهستيري: يركز التحويل هنا على الرغبة وإثارة الآخر، حيث ينظر المريض إلى المحلل كرمز لرغبة غامضة يحاول فهمها أو السيطرة عليها.
• العصاب الوسواسي: يظهر التحويل في شكل تأمل وتحليل مفرط للعلاقة مع المحلل، ويكون مصحوبًا بمقاومة قوية تجاه الكشف عن الرغبة.
2. التحويل كطلب:
العصابي دائمًا يتحدث من موقع الطلب، حيث يسعى إلى الحصول على إجابة أو تأكيد من الآخر الكبير (المحلل).
• الهستيري يطلب الاعتراف برغبته ورغبة الآخر فيه.
• الوسواسي يطلب إجابات قاطعة حول الحقيقة، لكنه يخشى في الوقت ذاته مواجهتها.
3. العلاقة بالمعرفة المفترضة:
في العصاب، التحويل يتغذى على فكرة أن المحلل يعرف الحقيقة عن اللاوعي.
• المريض ينظر إلى المحلل على أنه يمتلك معرفة عن رغبته ومشكلاته اللاواعية، مما يدفعه إلى إعادة إنتاج صراعاته في إطار العلاقة التحليلية.
4. التحويل والخيال:
في العصاب، التحويل غالبًا ما يكون مشحونًا بالخيال.
• الهستيري ينسج علاقة خيالية مع المحلل، يضعه في موضع شخص مرغوب أو محط إعجاب.
• الوسواسي يميل إلى خلق مسافة خيالية مع المحلل ويضعه في موقع سلطة مهيمنة يحتاج إلى التمرد عليها أو مواجهتها.
5. مقاومة التحويل:
العصابي يستخدم التحويل أحيانًا كوسيلة للمقاومة.
• الهستيري قد يستغرق في إثارة المحلل أو البحث عن رضاه بدلاً من مواجهة صراعاته الداخلية.
• الوسواسي قد ينغمس في مناورات ذهنية وتحليلات لا تنتهي كوسيلة لتجنب مواجهة لاوعيه.
6. صيغة التحويل كعلاقة بالرغبة:
في العصاب، التحويل يعكس دائمًا علاقة المريض برغبته وبـ”رغبة الآخر”.
• الهستيري يعاني من سؤال “ما الذي يرغب فيه الآخر؟”، ويستخدم التحويل لاستكشاف هذا السؤال.
• الوسواسي يعاني من سؤال “هل الآخر يعرف رغبتي؟”، ويقاوم الاعتراف بها.
وظيفة المحلل في التحويل العصابي:
• يجب أن يحافظ المحلل على الحياد ولا يقع في الفخ الخيالي الذي ينصبه العصابي.
• المحلل لا يعطي إجابات مباشرة أو يغذي خيال المريض، بل يوجهه نحو مواجهة أسئلته وصراعاته اللاواعية.
• هدف التحليل هو نقل التحويل من المستوى الخيالي إلى المستوى الرمزي، حيث يمكن للمريض تفكيك صراعاته وإعادة بناء علاقته بالرغبة.
الخلاصة:
صيغة التحويل في العصاب تدور حول إعادة إنتاج الصراعات اللاواعية المرتبطة بالرغبة ورغبة الآخر. في العصاب الهستيري، يظهر التحويل في صورة علاقة عاطفية أو طلب اعتراف، بينما في العصاب الوسواسي، يأخذ شكل تحليل مفرط ومقاومة للتغيير. التحويل، في كلا الحالتين، يكشف عن العلاقة الرمزية والخيالية للمريض مع الآخر الكبير ومع ذاته.
التحويل في الذهان
التحويل في الذهان له طابع مختلف جذريًا عن العصاب، لأن الذهان يرتبط ببنية نفسية مميزة يتميز فيها بغياب أو فقدان بعض العناصر الأساسية التي تدعم العلاقة الرمزية مع الآخر الكبير (l’Autre).
على وجه الخصوص، يتميز الذهان بـ”الفراغ” الذي يحدث نتيجة فقدان أو استبعاد (forclusion) عنصر اسم الأب (Nom-du-Père)، وهو ما يؤدي إلى اختلال في علاقة الذات بالنظام الرمزي. لذلك، يأخذ التحويل في الذهان سمات محددة:
1. غياب العلاقة الرمزية المستقرة:
في الذهان، لا يكون التحويل مستندًا إلى تصور المريض للمحلل كتمثيل للآخر الكبير القادر على تقديم إجابات أو معرفة حول رغبة المريض.
• المريض الذهاني قد لا يرى المحلل كـ”آخر رمزي” يُنظم العلاقة بين الذات والآخر.
• بدلاً من ذلك، يمكن أن يتخذ المحلل مكانة في خيال المريض ضمن علاقة مباشرة وغير مفلترة بالنظام الرمزي.
2. الميل إلى العلاقة الخيالية أو التوحدية:
في الذهان، يتسم التحويل بنوع من الالتصاق أو العلاقة الخيالية المفرطة مع المحلل.
• الذهاني قد يضع المحلل في موقع “المسيطر” أو “العدو”، ما يعكس تصوراته الذهانية الخاصة.
• يمكن أن ينظر إلى المحلل كشخص يحمل نوايا خبيثة أو كشخصية تنتمي إلى نظام خيالي مضطرب (مثل فكرة المؤامرة أو الملاحقة).
3. التحويل والجسد:
في الذهان، قد يظهر التحويل بشكل جسدي أو حسّي.
• المريض الذهاني قد يشعر بأن المحلل يؤثر عليه جسديًا أو يسيطر على جسده أو أفكاره بطريقة مباشرة، وهو ما يعكس اضطراب العلاقة مع النظام الرمزي والدلالة.
4. تفتت التحويل:
التحويل في الذهان ليس مستقرًا أو منظّمًا كما هو الحال في العصاب.
• قد يتنقل المريض بسرعة بين مواقف متضاربة تجاه المحلل (مثل الحب، الكراهية، الخوف)، مما يجعل العلاقة غير ثابتة.
• هذا التفتت يعكس صعوبة الذهاني في إنشاء علاقة رمزية متماسكة مع الآخر الكبير.
5. غياب الفرضية عن “معرفة الآخر”:
على عكس العصابي، الذي يرى في المحلل حاملًا لمعرفة عن ذاته ورغباته، فإن الذهاني لا ينسب إلى المحلل هذه المعرفة.
• الذهاني قد ينكر وجود الآخر الكبير ككيان رمزي، وبدلاً من ذلك، يمكن أن ينظر إلى المحلل ككيان خيالي أو حتى وهمي.
6. التحويل والأوهام:
في الذهان، التحويل قد يتشابك مع الأوهام الذهانية.
• المحلل قد يُدرَك كجزء من نظام الوهم (مثل أن يكون مشاركًا في مؤامرة أو متحكمًا خفيًا).
• العلاقة التحويلية قد تصبح مسرحًا لتمثيل هذيانات المريض، حيث يدمج المحلل في قصته الذهانية.
7. إمكانات التحليل النفسي مع الذهان:
• في الذهان، يجب أن يكون المحلل يقظًا وحذرًا للغاية في التعامل مع التحويل.
• هدف التحليل ليس محاولة إدخال المريض في علاقة رمزية مماثلة للعصاب، بل توفير نوع من “الثبات” أو “التماسك” في علاقة المريض بالعالم.
• يجب على المحلل تجنب الدخول في علاقة تصادمية أو تأكيد أوهام المريض، وبدلاً من ذلك توفير فضاء استماع مفتوح وغير قسري.
الخلاصة:
طابع التحويل في الذهان يتسم بعدم الاستقرار، التفتت، والارتباط بالأوهام والعلاقة الجسدية أو الحسية. غياب العلاقة الرمزية المنظمة يجعل من التحويل في الذهان تحديًا كبيرًا، حيث يصبح دور المحلل هو توفير مساحة آمنة وغير تدخلية تساعد المريض على بناء شكل من أشكال الثبات في عالمه الخاص، دون محاولة فرض أي إطار رمزي قد يُشعره بالتهديد.
التحويل في الشذوذ الجنسي أو الانحراف
التحويل في الشذوذ الجنسي أو الانحراف (perversion) له طبيعة خاصة تختلف عن العصاب أو الذهان، وذلك بسبب البنية النفسية المميزة للمنحرف التي تتمحور حول علاقة خاصة بالقانون والرغبة والآخر الكبير (l’Autre). طبيعة التحويل في هذه البنية ترتبط بما يلي:
1. التحويل والعلاقة مع الآخر الكبير:
• المنحرف لا يعترف بسلطة الآخر الكبير بشكل مباشر كما يفعل العصابي، ولكنه يسعى إلى تحدي القانون أو إثبات غيابه.
• في التحويل، قد يحاول المريض المنحرف وضع المحلل في موقع الآخر الكبير من أجل اختباره، إغوائه، أو حتى انتهاكه.
• المحلل قد يُنظر إليه كـ”شاهد” على فعل المنحرف الذي يسعى من خلاله إلى تأكيد سلطته أو إبراز التناقض في القانون.
2. التحويل والإغواء:
• غالبًا ما يتخذ التحويل عند المنحرف طابعًا إغوائيًا، حيث يحاول المريض جذب المحلل إلى لعب دور معين في مسرحيته النفسية.
• قد يحاول المنحرف إقحام المحلل في سيناريو محدد يعيد فيه مشهدًا ديناميكيًا يعكس البنية الأساسية لانحرافه (مثل مشهد العقاب أو الإذلال أو المراقبة).
3. التحويل وإعادة التمثيل (acting out):
• المنحرف يميل إلى التعبير عن ديناميته النفسية من خلال الفعل وليس فقط عبر الكلام.
• في سياق التحويل، قد يقوم المريض المنحرف بتصرفات أو أفعال (acting out) تحاول إثارة المحلل أو استدعاء استجابته، كجزء من محاولة إعادة التمثيل الفانتازمي الخاص به.
4. التحويل ودور المحلل:
• في التحويل، يسعى المنحرف إلى وضع المحلل في أحد الأدوار الأساسية التي تشكل فانتازمه، مثل:
• دور الضحية التي يشهد عليها الآخر الكبير.
• دور الشاهد على انتهاك القانون.
• دور المراقِب الذي يمنحه لذة التموقع في مركز المشهد.
• لذلك، قد يحاول المنحرف جرّ المحلل إلى مواضع مريحة لفانتازمه، ما يتطلب من المحلل الحذر واليقظة لتجنب الانزلاق في هذا الإطار.
5. العلاقة بالقانون والرغبة:
• التحويل في الانحراف يعكس محاولة المريض التعامل مع إشكالية القانون والرغبة.
• المنحرف لا ينكر القانون كالعصابيين، بل يسعى إلى التلاعب به أو إظهار تناقضاته. في التحويل، قد يتموضع المحلل كرمز للقانون الذي يسعى المريض إلى تحديه.
6. التحدي والاختبار:
• التحويل عند المنحرف كثيرًا ما يأخذ شكل تحدي للمحلل، حيث يسعى المريض إلى اختبار حدود المحلل، صموده، أو حياده.
• الهدف من هذا التحدي قد يكون التأكيد على أن القانون غير مستقر أو غير مكتمل، مما يعزز موقف المنحرف الخاص.
7. التحويل والفانتازم:
• في البنية الانحرافية، الفانتازم يحتل دورًا مركزيًا، ويتم إعادة تمثيله في التحويل.
• التحويل يصبح مسرحًا لتكرار سيناريوهات الفانتازم، حيث يحاول المريض استدعاء المحلل ليشغل دورًا محددًا ضمن هذا السيناريو.
الخلاصة:
طبيعة التحويل في الشذوذ الجنسي أو الانحراف تتميز بطابعها الإغوائي، التحدي، وإعادة التمثيل الفانتازمي. المنحرف يسعى إلى اختبار المحلل ووضعه في إطار ديناميكي يعكس علاقته بالقانون والآخر الكبير. دور المحلل في هذا السياق يتطلب الحذر والحياد لتجنب الوقوع في سيناريوهات الفانتازم الخاصة بالمريض، مع التركيز على توفير مساحة للتأمل في ديناميات الانحراف دون تعزيزها أو رفضها بشكل مباشر.