مفهوم الشذوذ الجنسي أو الانحراف
في التحليل النفسي، لا يتم تصنيف الشذوذ الجنسي أو الانحراف الجنسي كما في الطب النفسي التقليدي، بل يُنظر إليه على أنه سلوك أو توجهات جنسية تنبع من اضطرابات نفسية عميقة أو تطور غير مكتمل في مراحل النمو الجنسي. الأعراض السلوكية المميزة للشذوذ الجنسي تُعتبر نتيجة للصراعات النفسية والعوامل اللاواعية، وأحيانًا تتحول هذه الأنماط إلى “أعراض” أو “تعويذات” للتعامل مع التوترات النفسية.
في التحليل النفسي، يشير الشذوذ الجنسي أو الانحراف الجنسي إلى سلوكيات ورغبات جنسية تتعارض مع الأنماط الجنسية التقليدية أو الاجتماعية المعترف بها، وغالبًا ما يتم تصنيفها على أنها تشذ عن المألوف. لكن، من منظور التحليل النفسي، يُنظر إلى هذه الظواهر على أنها مرتبطة بالعوامل النفسية العميقة والنظريات حول الرغبة والهوية واللاشعور.
1. الشذوذ الجنسي حسب فرويد
في نظرية فرويد، يُنظر إلى الشذوذ الجنسي كجزء من تطور الإنسان من خلال مراحل النمو الجنسي، وأي خلل أو تثبيت في أي مرحلة من هذه المراحل قد يؤدي إلى انحرافات جنسية لاحقًا. ومن بين هذه الأنماط، نجد:
• الشذوذ الجنسي الفمي: وهو عندما ترتبط المتعة الجنسية بأشياء أو أنشطة تمثل مرحلة الفم في النمو الجنسي (مثل المص أو المضغ). يمكن أن يظهر هذا الشذوذ في شكل إدمان للتدخين، أو الإفراط في الأكل، أو التصرفات التي ترتبط بالفم.
• الشذوذ الجنسي الشرجى: وهو يرتبط بمرحلة الطفولة حيث يُركز على منطقة الشرج. الشذوذ الجنسي المرتبط بهذه المرحلة يمكن أن يظهر في شكل سلوكيات هوسية، مثل التسلط على الآخرين أو البحث عن السيطرة، أو حتى الهوس بالنظافة والترتيب. يعتقد فرويد أن الأشخاص الذين يظلون مُثبتين في هذه المرحلة قد يطورون ميولًا للشذوذ الجنسي المرتبط بهذه المنطقة.
• الشذوذ الجنسي القضيبى: عندما يتم تثبيت الشخص في مرحلة الهوية الجنسية الذكرية أو الأنثوية، قد يحدث تطور غير طبيعي في الطريقة التي يتم بها التعامل مع الجنس الآخر. على سبيل المثال، قد يطور الشخص هوسًا بالتمتع الجنسي المرتبط بالعضو الذكري (القضيب) أو حتى الانجذاب غير العادي أو السادي.
• الميول المازوخية أو السادية: عندما تكون الرغبة في الألم أو العذاب جزءًا من الممارسة الجنسية، فهذا قد يشير إلى فشل في التكامل السليم في المراحل المبكرة من التطور الجنسي.
2. الشذوذ الجنسي في نظرية لاكان
جاك لاكان أضاف إلى هذه المفاهيم بربط الشذوذ الجنسي بأبعاد الآخر (le grand Autre) و اللغة و الرغبة. كما كان له تأثير كبير في كيفية فهم الأبعاد الرمزية للتوجهات الجنسية:
• التحويل الجنسي كظاهرة لغوية ورمزية: لا يُنظر إلى الشذوذ الجنسي عند لاكان فقط كحالة نفسية ناتجة عن صراع داخلي، بل باعتباره شكلًا من أشكال العلاقة الرمزية مع الآخر. يمكن أن يكون الشذوذ الجنسي عند لاكان مرتبطًا بمسألة الفقدان أو التورط في الرغبة. بمعنى آخر، الرغبة هنا ليست فقط رغبة جسدية، ولكنها ترتبط أيضًا بالمكانة الرمزية في “الآخر” في سياق اللغة والهوية الاجتماعية.
• الانحراف الجنسي والرمزية: الشذوذ الجنسي يمكن أن يُنظر إليه على أنه نوع من العبث أو اختلال الرمزية حيث يتعارض الشخص مع الانظمة الثقافية والجنسية التقليدية. حيث يرى لاكان أن السلوك الجنسي غير التقليدي يمكن أن يكون نوعًا من التمرد الرمزي على أنماط اللغة والعلاقات الاجتماعية.
3. الشذوذ الجنسي في سياق العلاج النفسي
التحليل النفسي لا يُركز على الشذوذ الجنسي فقط كظاهرة سلوكية، بل يدرس أيضًا:
• الدوافع النفسية واللاواعية: الانحرافات الجنسية، في هذه الحالة، قد تتعلق بالصراعات النفسية العميقة التي يتعين معالجتها. ينطلق التحليل النفسي من فكرة أن هذه السلوكيات قد تكون سعيًا إلى الحصول على نوع من الإشباع النفسي أو العاطفي المفقود.
• الدور الاجتماعي والثقافي: قد يكون الانحراف الجنسي ردًا على ضغوطات ثقافية أو اجتماعية أو حتى عوامل اجتماعية-اقتصادية.
• الوضعية الجندرية: في بعض الأحيان، قد يكون الشذوذ الجنسي مرتبطًا بتحديات في كيفية فهم وتحديد الهوية الجندرية، مثل صراع الشخص مع الجنس الذي ينتمي إليه اجتماعيًا.
4. الشذوذ الجنسي والانحراف في سياق التوجه الجنسي
فيما يتعلق بالتوجه الجنسي، يشير التحليل النفسي إلى فكرة أن التوجهات الجنسية (مثل المثلية الجنسية أو الازدواجية الجنسية) لا تعتبر دائمًا شذوذًا، بل قد تكون جزءًا من الاستكشاف الطبيعي للشخصية البشرية. بالنسبة لبعض المحللين النفسيين مثل فرويد ولاكان، يكون الانحراف الجنسي مرتبطًا بالتحولات النفسية والرمزية التي تتجاوز الأنماط التقليدية، ولكن من غير الضروري اعتبارها مرضًا إذا لم تؤدي إلى معاناة شخصية أو خلل في الوظائف اليومية أو في العلاقة مع الآخرين.
خلاصة:
الشذوذ الجنسي أو الانحراف الجنسي في التحليل النفسي لا يُنظر إليه دائمًا على أنه مرض أو حالة نفسية يجب علاجها. بدلاً من ذلك، يُعتبر الشذوذ بمثابة نتيجة لصراعات نفسية داخلية، مشاكل في النمو أو في التفاعل مع الرمزية الاجتماعية، وغالبًا ما يكون هناك دور للرغبة المكبوتة أو تحولات عميقة في الهوية الجنسية. التحليل النفسي يتعامل مع هذه الظواهر من خلال سرد الشخص المعني لسيرة حياته الشخصية ومراحلها التطورية بدلاً من تصنيفها كحالات شاذة أو مرضية من دون تعمق دقيق لرغبة المتعالج.
.5 أنماط الشذوذ الجنسي
3. الأنماط الأكثر شيوعًا للشذوذ الجنسي في التحليل النفسي:
• المثلية الجنسية: من منظور التحليل النفسي، يُعتبر الشخص المثلي قد واجه صراعًا نفسيًا غير مُعالج أو مُثبتًا في مرحلة معينة من النمو الجنسي. يمكن أن يتم تفسير المثلية الجنسية على أنها محاولة لتعويض نقص في أحد الجوانب النفسية المرتبطة بالشخصية أو العلاقة مع الآخر.
• الازدواجية الجنسية (باثوس): انخراط الشخص في سلوكيات جنسية مع كل من الذكور والإناث قد يُفسر على أنه محاولة للبحث عن هوية أو كبحث عن تأكيد على الرغبة الذاتية.
• التحولات السادية والمازوخية: في هذه الحالة، يُنظر إلى التحول الجنسي السادي أو المازوخي على أنه تفاعل مع شعور بالذنب أو نقص، حيث يميل الفرد إلى إيجاد لذة من خلال ممارسة الألم أو القهر على الذات أو الآخر.
• الوحشية والجنسانية غير التقليدية (مثل البيدوفيليا أو الانجذاب إلى الحيوانات): على الرغم من أن التحليل النفسي لا يتبنى بالضرورة التصنيف الطبي أو الأخلاقي لهذه السلوكيات، فإنه يُنظر إلى هذه الحالات على أنها ناتجة عن تجارب نفسية أو صدمات مبكرة. تتضمن تفاعلات غير طبيعية مع مراحل من النمو الجنسي أو إشارات إلى الانعزال أو الفقدان العاطفي.
الخلاصة:
في التحليل النفسي، يتم النظر إلى الشذوذ الجنسي ليس كحالة مرضية في حد ذاتها، بل كنتيجة للصراعات النفسية والتطور الجنسي غير المتوازن. وتُعتبر هذه الأنماط تعبيرات عن جوانب نفسية أو تعويذات للتعامل مع اللاشعور أو التوترات النفسية.