كاردينال - الكلام الشافي - فصل ٤ من ١٨

شتاء باريسي. شمس باهتة. أشجار بدون أوراق. المسار الذي يقودني في عناد الى الزقاق. فمن داخل أمواج الضباب ومن فراغ البرد ومن الأمطار المملة ومن السحب الغثة، جئت إلى هنا مرات عديدة لأستمتع بوهج الحرارة و بازدحام الأزقة البيضاء وبغليان الطفولة وبانفجار المراهقة. عالم كامل من الأشباح يرافقني. بداخل الزقاق المتهالك تتزاحم الذكريات خلفي. ذكريات دقيقة، حية، نابضة. تتقاذف نحو أريكة التحليل وتنطلق في الكلام ثم تبدأ في المضي وكأنها عرض كرنفال.

لم يتدخل أي رجل في تنشئتي وأنا شابة. كنت بين يدي النساء : بين يدي أمي وجدتي و"الخوادم" والراهبات المدرسات. عن أبي الذي لم أعرفه إلا قليلا لأنه عاش بعيدا عني وتوفي وأنا في فترة المراهقة، احتفظت بذكرى رجل أنيق، على رأسه طربوشا وبيده الجمية غكازا. يزين وجهه شاربن صغيران، وعلى محياه بتسامة مشرقة. كان يخيفني ولم أكن أعلم شيئا عن عالم الذكورة. وفي بيته، صالة الحمام وما تحويه من أدوات حلاقة وكذلك غرفة نومه وما تحويه من أدراج ممتلئة بالأقمصة ومن مختلف أزرار سوار الكف، كانتا تجلبان انتباهي وتقلقني في أن. أما فراشه الشاسع والمغطى بجلد نمر والذي كان ينام فيه لوحده فقد كان بالخصوص يثير انتباهي. كان يطلق علي لقب "غزالتي الصغيرة". إلا أنه كان يعاملني وكأني امرأة شابة بدل أن يعاملني كفتاة وكان هذا يضايقني كثيرا.

في فترة طفولتي كنت أذهب الى بيته مرفوقة بمربيتي. وفيما بعد ذهبت الى هناك لوحدي لأتناول معه بعض وجبات الغذاء بيندروس الصباح ودروس الظهيرة. كانت مناسبات هذه الوجبات صعبة جدا. فعندما كان لا يخيفني فأنه كان يثقلني مللا. كان يلزمني في حضرته أن أتحكم في تصرفاتي وفي كلامي. فكثيرا ما كان يؤاخذ علي ما أفعله أو أقوله. لكني كنت أفهم بأن توبيخه إياي كان في الحقيقة موجه نحو أمي. أمي التي كانت مكلفة بتنشئتي وقائمة على تربيتي. أما أنا فكنت أشعر بأنه يحبني ولا يبغي أن يحصل بي ضرر.

كان حريصا جدا على دراستي ويتمنى أن أتعلم كل شيء : اللاتينية واليونانية والرياضيات، الخ. لم أقم أبدا بإطلاعه على دفاتيري ولا على نتائجي الدراسية التي كانت جيدة. وبفعلي ذلك كنت أعي بأنني أدافع على أمي التي كانت تتمتع بحق الكفالة. فكنت هكذا أقف الى جانبها. لقد جعلتُ محفظتي ممنوعة عليه. فجعلت منها خزينتي الممتنعة في وجهه وكذلك كنزي وكل قيمتي. كنت هكذا أبقي أبي بعيدا عني وأمنع عنه الولوج الى عالمي. لقد كنت على وعي بذلك.
لم أمر أبوي مجتمعين إلا ثلاث مرات. كانت المرة الأولى بمناسبة مراسم انضامي للأمة المسيحية. لقد كانا في نفس الصالة وحول نفس المائدة إلا أنهما لم يجلسا جنبا الى جنب. وفي ذلك اليوم، كانت قد أزعجتني نظرة أبي الحنونة نحوي. كنت أود ألا يكون حاضرا آنذاك وأن تكون نظرة أمي المتصلبة هي التي ترقبني وأنا أُقطع الكعكة المزينة بأدراج لا عد لها من ملفوفات الكريما. فلربما قد تجعلني نظرتها المتجمة أتوفق في ذلك بشكل أحسن.

أما المرة الثانية فكنت في الثانية عشرة من عمري. لقد إلتقيا في مناسبة مراسم تعييني كعضوة واعدة في الكشفية. كانت المراسم تتم في الهواء الطلق وبحضور آباء آخرين. كان أبي وأمي جنبا لجنب لكنهما لا يتبادلا أطراف الحديث. لقد كانا يتتبعان المراسم باهتمام بالغ. أتذكر سماء الخريف الوضاح لذلك اليوم.         

أما المرة الثالثة فكانت في آخر أيامه. كان عمري حوالي الخامس عشرة. لقد كان مصابا بمرض نفث الدم وكان يظن نفسه على حافة الموت، فطلب حضور أمي.

السل ! هذا المسخ المخيف الذي رافق طفولتي. جدي من أبي وعمي وأختي، كلهم ماتوا من هذا المرض. أما أخي فإنه يعاني من تبعاته في مرض عموده الفقري. فكل هذه كلمات وكل هذه المآسي بسبب أبي، بسبب مرضه وبسبب رئتيه اللتين فسدتا من جراء الغازات السامة النجامة عن حرب 14. 

  • كان من الأحرى به أن يتعالج قبل أن يطلب الزواج بي. إنه لم يقم حتى بإعلامي بمرضه. ياله من عار ومن عدم النزاهة!

زمن الحرب والخنادق. لقد سقط أبي تحت مجموعة من الجنود المختنقين. كثرة الجثث المتراكمة فوقه جنبته الموت، لكن العطب طال رئتيه. 

  • لقد رأيت صورا طبية. الأمر بسيط للغاية. لقد انقلبت رأتاه الى اسفنج مثقبة. 

تتلوها كل تلك الإحتياطات التي يجب اتخاذها عند الدخول إلا بيته وعند الخروج منه :

  • لا تتركينه يقبلها. يجب ألا يستعمل منادله لتنظيفها. احملي معك قارورة الكحول 90° وشيئا من القطن. نظفيها به عند مغادرة بيت أبيها. رغم تلقيح البسيجي فإن الطفلة لم تنجو من المرض. إنه أمر غريب ومستحيل. لقد سبق أن فقدت أبنة، فكفاني شرا. 

الميكروبات. تواجد الميكروبات المخيف.

إنها حشرات لا تبصرها العين. إنها تتواجد في كل مكان. كلما سعل أبوك فإنه يقذف بأخطرها. يجب أن تنصتي إلي وأن تثقي بي. إن أختك ماتت من جراء ذلك، كما هو في علمك. لا تقتربي منه إلا ما دعت الضرورة. 

لقد رأيتهما إذن مرة ثالثة، مجتمعين. 
لقد نادى أمي بواسطة التيلفون : "تعالي من فضلك، هلمي، إنها النهاية".

بعدما أقفلت أمي سماعة التيلفون، ادعت بأنه لا يقول إلا بهتانا. حملتني معها عنده. لكن لمذا فعلت ذلك ؟ ألكي لتحتمي بي ؟ 
لقد كان متمددا على فراشه الواسع وحوله مناديل متناثرة وُضع تحت ذقنه طست وعلى زاويتي شفتيه تكومت رغوة وردية اللون. لم يسبق لي أبدا أن رأته ملقى على فراش ولا لابسا بيجامة. لقد زال ترتيب أغطية الفراش ووسادته بسبب نومه عليها. ومشاهدة هذه الدقائق التي تفضح حياته الحميمية تزعجني. أنشأ يتحدث الى أمي قائلا بأنه يحبها. أما هي فأذت تصد كلامه : "وقح أنت. إنك تقول هراءا. انتبه الى ما أنت قائله أمام هذه الطفلة."

أما أنا فقد تراجعت القهقرى الى الرواق ثم الى الباب ثم الى الدرج. حلست على سلم الدرج واضعة كفي على أذني حتى لا أسمعهما. فما أقساها من امرأة وما أحقره من رجل !

بقيت هناك أحملق في المصعد. أحاول بكل قواي أن أبعد عني ما سمعته وما رأيته. لقد كنت أعرف هذه الآلة الحربية عن ظهر قلب. قد كانت تشغل بالي وتثير فضولي. بداخلها كنت أشعر بأنني في خطر لكني كنت لا أخافها. إنها عبارة عن صندوق يحوط به سياج حديدي سميك ومشاكس. فعندما نطلبه، تأخذ القضبان الحديدية التي تشد سقفه تتنتر وتحرك الهواء في كل صوب. ثم تبدأ برفع الصندوق مع أصوات وكأنها فواق وسعال. في حين تقوم سارية ضخمة وقوية من فولاذ، مبللة بالزيت الأسود، على الدفع من أسفل وساعدته بقوة على الصعود. إن الإرتفاع المنتظم والمتوازن لهذا الجذع المشحم، يبدو في غير تناغم مع صعود الصندوق المترنح والفوضوي. 

هذه الآلة تحرس منزل أبي وتجعل منه منطقة صعبة للإقتحام. خطيرة الى حد ما. كنت أعرف كل شيء عن هذه الآله، ماعدا الهوة التي التي تنغرس فيها السارية الفولاذية والتي كنت أتصورها لامتناهية العمق. وكنت أتصور في بعض الأحيان أيضا بأن هذا القعر ليس بعميق جدا، وإنما ترسو السارية على أرضيته وكأنها نابض.

ولقد حصل لي أيضا أن تبولت في هذا المصعد. ذلك أنني عندما أقوم بزيارة أبي، لم أكن أقدر على الطلب منه ريادة مرحاض منزله. وفي أحد الأيام، حيث لم قادرة على الصبر أكثر، وحيث كان يلزمني انتظار ساعتين إضافيتين قبل أن يكون بإمكاني استعمال المراحض التركية في المدرسة، ما وسعني إلا أن تبلوت بداخل صندوق المصعد المتهالك. وكان بودي أن أجد إرضاء حاجتي هته ممتعا لو لم تمنعني من القذف المصوب، النترات والهزات المتلاحقة لهذه الآلة. ما كان إلا أنني أغرقت حذائي. ولكي أتمكن من الإستمرار في قضاء حاجتي بشيء من التأني، توصلت الى إيقاف المصعد بين الطاقين الثاني والثالث. لكن باللهول !  لقد اخترق سيلاني الزربية المنتوفة الشعر، واجتازت سقفية المقصورة بشلال من القطرات التي أخذت تدوي بدون انقطاع على جدار الصفيحة الحديدية التي تغلف الجذع الفولاذي بالطابق الأرضي. وعنما وصلنب رنين التهاطل الأول لهذه الأمطار سارعت الا نقر أزرار المصعد، لكن للأسف، وقع أصبعي على زر الطابق الخامس للمصعد الذي لم يبق بإمكاني إيقافه. فمن خلال خوفي، ومن خلا سوء تصرفي، كنت أسمع خوار السيل الجارف. وعندما وصلت الى منزلي أبي كنت مببللة بالكامل.

هذه الفتاة الصغيرة وهذا المصعد، كم هو قديم بعيد كل هذا الآن... فهذا الحوار بين هذا الرجل وهذ المرأة قد غير كل شيء. كانت هي المرة الأولى التي رأيتهم فيها مجتمعَين حقا. أدركتًخلالها آنذاك بأنني انحدرت من هذين الشخصين، من رغبتهما البائسة ومن كراهيتهما المشؤومة. أثناءها شخت للتو وفجأة بات كل شيء قديم وبعيد. 

كنت أتصور أن خوضي الحديث في الماضي وفي زمن الطفولة ربما كان يتطلب إطارا مغايرا. ربما كان يتطلب سماءا ربيعيا أو خريفيا صافيا، وبحرا مبتهجا بتموجات هادئة. وربما كان يتطلب أيضا ورودا وروائح زكية. ظننت ببساطة أن حديثي سيدور عن حبي الأول وعن القبلة الأولى التي قلبتني الى فتاة يانعة. لكن ما من شيء من كل هذا. كل ماحصل هو ما حصل : أنها المشادة الكلامية بين غريبين أريدَ لهما أن يكونا أبوي. إنه الدم المنفوث من فم أبي. إنه غيظ أمي ومرارتها. إنها أدراج السلاليم التي تشتد ظلمتها أكثر فأكثر لأن النهار يقترب من نهايته ولأن الشمس في الجزار تغيب بسرعة. 

وفي ملئ أحلامي اليقظة على دروج السلم، وقفت أمي منتصبة أمامي، متكردة شيئا ما : "آه، أنت هنا. أبحث عنك في كل مكان. لكن ماذا تفعلين في السلم ؟ هل أبصرك أحد هنا ؟ تعالي ! لنمشي في سبيلنا. إنه في صحة جيدة. إنها مجرد ادعاءات، كالعادة. ليس من الممكن التلاعب بي من الآن فصاعدا. يالها من مهزلة !".

كنت أعرف بأنه لم يكن على حافة الموت. كنت أعرف أيضا بأنها ستغضب وتهيج من تصرفه. كما كنت أفهم كذلك بأنني أنا الخاسرة على الدوام بداخل معمعة علاقتهما.

ثم بعد بضعة أشهر، رأيتهما مجتمعين مرة أخرى. لكن هذه المرة الرابعة حصلت بعد وفاته.

وصلني خبر وفاة أبي في ظهيرة يوم صيفي حار جدا. كنت مع  مجموعة من أصدقائي في البهو. كلهم في سن المراهقة. كن نتقي شر حرارة الشمس هناك في انتظار انخفاضها فننصرف إلي لهونا. لم تمض فترة طويلة على السماح لي بعدم النوم فترة القيلولة، عندما حضرت أمي في تلك اللحظة وفي تلك الرحبة وأنا أتلذذ بوجودي مع أصدقاء. آنذاك استرجعت بعفوية ردات فعلي الدفاعية. وفي طرفة عين كانت كل أسلحتي الأعتذارية والتفسيرية والكاذبة مصطفة وجاهزة بجانبي. إن آلية الرياء والمخاتلة الطفولية لم يكم قد أصابها الصدأ عندي. وقفت أمامي وألقت إلي نظرة مكفهرة ومنزعجة قائلة بصوت يثير الشففة : "لقد توفي أبوك،  إذهبي وغيري ملابسك. يجب أن تأتي معي الى الجزائر المدينة". في تلك اللحظة بالذات استعت مقاوماتي : رأيت في مخيلتي السماء الأزرق. أمواج البحر اللامعة، النباتات الغضة المكللة بأرهار وكأنها نجوم وردية اللون وصفراؤه. وهكذا أكون قد فرجت على نفسي بمقاومتها وصدها في مخيلتي. وهكذا أيضا لن تتمكن هي من أن تنتزع مني كل ما يعجبني ويرضيني : أصدقائي ولهوي وألعابي. وكل ما عدا ذلك لا صلة له حقا بحياتي. وعلاوة على ذلك، ما هذه النبرة المتعاطفة تجاه أبي الذي لم  تقل في حقه الا  كلامات العداوة وتعابير الشر ؟ ألأنه قضى حتفته ؟ إلأن الموت يجعله مقزما، بائسا ومثسرا للعطف ؟ أما لدي فإنه بقي كما كان  : غريب، أعزب وممل، مخيف الى حد ما ومزعج بتصرفاته الغير الصائيبة في تقربي منه : "تعالي قبليني ياغزالتي الصغيرة". ولقد جرت العادة أن تناديه أمي بإيسمه الشخصي : "لا تنسي  أن تخبري درابو بأنه لن يرسل إلي معاش طلاقي بعد". "أطلبي من درابو أن يشتري لك حذاءا"، الخ. أما اليوم فهاهي تقول "أبوك" وكانه مازال زوجها، وكأنهما مازالا يكونان زوجا. ولربما عمل الموت على التقريب بينهما وعلى إرجاعهما زوجين كما كانا. لكن من المحال أن أتصور ذلك، إذ يبدو لي كذبا وبهتانا وغير صحي وإن كنت لا أعلم لمذا. لم يكن بمستطاعي تحمل ناظريها وكنت أتمنى أن تغيب عن نظري في تلك اللحظة.

لكنها بقيت منتصبة أمامي وفكرت في نفسي : "إنْ هي، علاوة على ذلك، انطلقت في النحيب، فإني سأهرب، طالقة العنان لساقَي". "لا، إنها لم تبكِ. كانت تنتظرني وهي مضطربة البال" : " يجب أن نذهب الجزائر المدينة، وإعدادات كل اللوازم هناك". 

لقد كان من غير المعتاد التنقل في مثل هذه الساعة من القيلولة، في مستهل الصيف. كانت البادة خالية من أهلها. كنت أرى الصفوف المصففة من أشجار العنب تمر أمامي، وممرات الأوكاليبتوس، وتحوطات القصب، ونبات الصبرة المُرة التي ترفع في السماء الأبيض أغصانها المزينة بالزهور، وأشجار التين المتوجة بأثمارها، وعلى البطاح الممتدة، كنت ألمح مساحات من أشجار السرو التي تضم بداخلها مربعات من أشجار البرتقال. ومن خلال الزجاجة الخلفية كنت أرقب أعمدة الأتربة التي ترفعها سيارتنا الى أعلى والى أبعد، مغطية كل المشهد خلفها. وحتى لا نخنق بكل هذه الإنبعاثات فقد أقفلنا كل النوافذ. كانت الحرارة لا تطاق. من كان يسوق السيارة ؟ لا أتذكر. ويستحيل علي تذكره لأنه ربما ليس ممن لهم أهمية عندي. 

لقد كنا في عين الإعصار. كانت السيارة تسير بسرعة وتحدث ضوضاء مرعبة. كان الغبار يرافقنا في تأجج مجنون. أما البادية التي كانت ترزح أمامنا تحت الحرارة المفرطة فقد أصبحت تبدو مشلولة تحت ارتجاج الهواء وهو في حالة غليان.  

وفي وسط كل هذا انطلقت أمي قائلة : "لقد توصلنا بالبرقية قبل قليل، بعد تأخر لثمانية أيام نظرا لإضراب موظفي البريد. يترتب عد ذلك أن جثمان أبيك يصلنا اليوم بالذات، ولا شيء تم إعداده. كان بودنا اكتراء مصلى. هناك مصلى جيد على رصيف الميناء. لكن إعلامنا بالوفاة جاء جد متأخر. يجب ترتيب المنزل وإعداده لللمناسبة. لقد اتفقت مع منظمي الموكب الجنائزي أن يأخذوا الجثمان من المرسى ويحملونه الى المنزل في الطابق الخامس، رغم الوقت المتأخر. هناك يتم إخراج النعوش بعد إنزال الركاب وبعد تنزيل البضائع. يالا من قصة !"

فماذا تعنيه كل هذه التعابير : "جثمان أبك" ؛ "نعش موريس" ؛ "المصلى" :؛ مهيئي مراسم الجنازة" ؟ وماذا يعنينه بالضبط : "جثمان موريس" ؟ ثم إن ما تسميه بالمنزل، فهو منزله هو وليس منزلها هي ولا بمنزلي أنا. إن منزل رجل كان يعيش فيه بين مقتناياته خلال أسفاره المتعددة، وبين ما جمعه من أقنعة زنجية. كان يعيش فيه مع ما جمعه من أسلحة وآلة حلاقة وفراش شاسع مغطي بجلد النمر. إني أعرف بأنه الفراش الذي يمارس فيه علاقاته الحميمية مع "دجاجاته"، بحسب تعبير أمي. 

وهاهو هذا المنزل قد انقلب رأسا على عقب. لقد تم إفراغ الصالون من كل أثاثه : "كي نضع النعش". لكن هل النعش من الضخامة حتى يتطلب كل هذه المساحة ؟ 

- إن كنيسة سان شارل ستبعث لنا بمقاعد-تسبيح.
  • مقاعد-تسبيح هنا ؟ بالقرب من الفراش الساسع وبالقرب من آلة الحلاقة ومن الأسلحة ؟    
  • سنقوم بترتيب أسرة اسطفاء في الغرف الداخلية.
  • أسرة اسطفاء ؟ من أجل من ؟
  • من أجل أفراد العائلة، أليس كذلك ؟ سوف نسهر طوال الليل.  

العائلة ؟ لكن لم تكن له عائلة. إنه وحيدا. فما يسميه أمي بالعائلة فهي عائلتها هي. تلك العئلة التي كانت تنهك أبي منذ وقت طويل. أتراهم يأتون الى هنا ؟ يبدو لي ذاك من غير اللائق. لم يكن ليعاشرهم، وقد لا يكون راضيا برأيتهم يدوسون منزله بأقدامهم. ولقد قال لي مرات عديدة بأنهم هم من أفشلوا حياته العائلية وليست أمي هي السبب. 

في ممرات وغرف المنزل المتبقية تم تكديس أثاث الصالون وأثاث صالة الأكل مما قلب المنزل الى فوضى عارمة، ثم قسمت الى أجنحة من أجل استقبال سكان المدينة التي كان أبي من بين نبلائها. فكان يعم كامل جوانب المنزل بلبلة سهرة جنائزية، مع ما يتخللها من توزيع لفطائر خفيفة ودمعات لامعة. 

ولقد تم فتح الباب الخارجي على مصراعيه. أخد الناس يتمتمون ويمشون على رؤوس أقدامهم. كانت الشقة ملبدة وملحفة وباردة. كانت مستعدة لإستقبال الحفل المأثمي. لقد غطت الزهور كل رحبة منها وكانت تصدر عن المطبح رائحة لذيذة بورجوازية.
من الدروج كنت أرقب الحمالة وهم يرفعون نعش أبي المنحوث من الخشب الثقيل. على جانبيه مقبضين وعلى ظهرة تمثال للمسيح. الكل من الفولاذ. كان الحمال السود، رغم كترتهم، يلهثون وهم منهمكين في تقدير ما تقتضيه منعرجات السلم الضيقة من لباقة وحنكة. فكانوا منزعجين بالنقوش الحائطية وبالمنحنيات الخشبية الفاخرة وبالقضبان الحديدية الأنيقة التي تحمي قمرة المصعد المتهالكة والتي أثبتت مرة أخرى على عدم فائدتها حتي في تحمل صندوق الميت. فقعرها التي تسلل منه تبولي، انتهى به الأمر الى الإنهيار. 
لم ينتهوا من الصعود. خمس طبقات غير متناهية. وأبي في الصندوق وكأنه رزمة أشاء. وفي النهاية أرسوه على حوامل مغطاة بغطاء أسود. أما أمي وبكل استحقاق، فكانت منشغلة بتوزيع الأموامر من مكانتها العارفة. عينت لي مكاني : كان مقعد-تسبيح منعزل وضع أمام كل الآخرين. ثم جيء بالأزهار، حبات وتيجان وحزم. كان اغلبها، نظرا لفصل الصيف، من النوع اليابس، بدون رائحة لكن بألوان متنوعة وزاهية. بقيت هناك راكعة، في ممل وضجر من كل هذا التعبد. وكما علموني بألا ألتفت الى الناس في الشارع وفي الكنيسة فإنني خشيت مراقبة أولاءك الذين، بحركات حذرة ومحترسة، يدخلون الحجرة أن يخرجون منها. الزرابي المنشورة والأسترة المعلقة بها تشرب الأصوات، فلا يبقى للأذن منها إلا حفيف اللمس وباهت النبرة وخافت النقرة ومبهوم الزفرة. وبما أنني كنت مضرة للبقاء هناك فإني قبعت هناك. مكثت أفكر في أشياء أخرى ؛ في الشاطئ الذي غادرته ومن تركت فيه من أصدقاء. فما قد يكون رد فعلهم لو رأوني هكذا لابسة اللون الأسود، لون لباس الكبار فقط. كان النعاس يخامرني وأنا متكئة بمرفقي على مقعد-التسبيح ورأسي منبطحة بين كفَّي.                

تصاعدت روائح أوراق النبانات والزهور وكآنها تلبي نداء حرارة الليل ولهب الشموع المتوقدة. وفي ترافق مع هذه الروائح النباتية الزكية، وصلت الى خياشيمي روائخ أخرى، لا طعم لها ولا ذوق، بل تثير التقزز. حلوت أت أحدد مصدرها. إنها ليست تلك الأزهار اليابسة التي تفوح برائحة الغبار والصرامة. لا. فهذه الرائحة كانت من نوع مختلف تماما. إنها ليست من الفصيل النباتي. تصاعد بداخلي إحساس بالقلق. شي ما لا أعرف كيف أحدده وأُعرفه. أهي روائح المياه الراكدة، روائح مياه المستنقعات ؟ تعم، لكن ليس تماما. إن ما يصلني هي رائحة ليست بالعنيفة وليست بالدقيقة وإنها هي رائحة حميمية ومزعجة. إنها رائحة بشرية لم أتمكن من تحديدها.

جاءت أمي صوبي. وضعت يدها على كتفي وانحت علي حتى كاد خدها أن يلامس خدي. وقالت لي بصوت خافت :
  • أنت بخير
  • نعم. بخير. ألا تشمين هنا رائحة غريبة ؟

قبضت يدها على كتفي بشدة وأخذت تمايلني في نوع الهدهدة.

  • لقد مضت أيام عدة على موته. أضيفي الى ذلك كل هذه الحرارة ! ثم أن نعشه أثناء النقل قد تعرض لرضات وربما حصل به تشقق بسيط. لقد تكلمت في ذلك مع المعنيين بالأمر وسيعملون على ترميم النعش. فلا تقلقي".

أنا أقلق ! لكن من ماذا ؟ من كوني أشم رائحة آبي النتنة ؟ فتلك الرائحة كانت فعلا رائحة جسد يتحلل.
أبي الوسيم، بسترته الأنيقه وبأسنانه البيضاء وبحذائه الملمع وبعكازه النبيل، هاهو يتحلل ويتفكك كتلك الجيفات التي ترمي بها مياه البحر، بعيد الإعصار، على الشواطئ جالبة إليها أسرابا من  تلك الذبابات، ضخمة الحجم وزرقاء اللون. فهاهو وعصير الموت يسيل من تحت أحذيته الملمعة ومن تحت بنطلونه المكوي بعناية فائقة ومن بين فتحات قميصة المضبوطة. هاهو أبي وكله رائحة نتة وملؤه حشرات تصول وتجول. فما هذا من المطاق. خرجت من الصالون للتو وهرولت الى أبعد غرقة في المنزل، ألقيت بنفسي، منبطحة على بطني، على فراش نقي تفوح من أغطيته رائحة الصابون. أدخلت رأسي بين الوسادات وأخذت أبكي وأُجهش في البكاء. وحتى أبعد عني صور وروائح النتانة، أنشأت أجلب الى ذهني صورا حية، ابتسامات لذيذة، حركات سعيدة، فضاءات الصيف، موجات البحر في منتصف النهار، تشقلبات البراري، وخصوصا صورة حبيبي وهو يضمني بين ذراعيه ويقبلني وأنا أرتشف ريقه الممزوج ببقايا دخان سيجارة وصابون الأسنان. بعد ذلك نمت نوما عميقا.

كانت تلك هي المرة الأخيرة التي نمت فيها بمنزل أبي وبالقرب منه. وانطلاقا من هذه اللحظة، كانت الوحدة. 

لم أكن أعرف هذا الرجل. لم يحصل لي أن عاشرته إلا مرات قلائل. لكنه ان رغم ذلك حليفي الوحيد، ومن دون اختيار مني. يكن لدي اعتبار عنده. للكنني اليوم أجدني مضطرة للإعتماد على نفسي في غيابه. وهذا ما أحدث لدي فراغا كبيرا لا معنى له. شيء رهيف ورقيق تم فقدانه لدي والى الأبد. شيء يكتنفه الغموض. أما اليوم فأني أعرف فحوى هذا الفقدان. 
لقد فقدت كل يقين في نيل إعجاب الآخرين في أية مناسبة وفقدت كذلك كل عطف وحنان. وحتى عندنا كان يوبخني رافعا علي صوته الغليظ وجاحظا عينين معاتبتين، كانت نظرته تحمل قبلة إلي. لكنني كنت أرفض تلك القبلة التي كانت موجودة رغم ذلك. 

منذ ذلك الوقت كانت تأخذني في بعض الأحيان، ومازالت تأخذني حتى الآن، رغبة مفاجئة في الجري، مدفوعة بالبهجة، بزخم سعيد ويلذة الحب والحنان، كي أحتمي بين ذراعي أبي. فأراه يهدهدني مميلا إياي بلطف يمينا ويسارا. أرانا نرقص سويا  برِجل ثم بأخرى على إيقاع مُفعم باللطف والمودة. "هاكذا. هاكذا يابنتي : أنت الآن بين أحضاني. إهدئي يا قرة عيني وارتاحي". قد يحون الآن أكثر طولا مني بقليل. ويكون خي على مستوى خده. فما قد تكون رائحته ؟ وما قد تكون قوته ؟ إنني لا أعرفه.  

إن كلمة "أب" بالنسبة لي تبقى كلمة مجردة ولا معنى لها لأن كلمة أب تمشي دوما مع كلمة أم، إلا أن ذين الشخصين كانا منفصلين في حياتي، وكأنهما كوكبين يتبعان، في تعنت، مجرى حياتهما المتباعد على مدارين ثابتين. كنت على كوكب الإم وفي فترات متناوبة لكنها متباعدة، كنا نلتقي بكوكب الأب الذي كان يعبر محاطا بغلاف لا ترجى منه عافية. أثناءا كان يكطلب مني أن أقوم برحلة بينهما وعندما أضع قدمي في ملكوت الأم، عندما تقوم بالإمساك بي، تبدو لي أنها تسرع جريها وكأنها تحاول إبعادي، بأسرع ما يمكن، من كوكب الأب، بالغ الشؤم والضرر. وعندما أصبحت شخصيا كوكبا وحيدا وطائعا، ككل الكواكب. وعندما أخذت أجري مجراي في سماوات الوجود الزرق-السود، حاولت مرارا الأقتراب من الأب. ولكوني لا أعرف عنه شيئا فأني تخليت عن بحوثي، وأنا تعبانة وإن كنت غير حزينة. أني متيقنة بأني لا أعرف شيئا عن بُعد الأبوة لدى الرجال، إذا ما كان لهذا البعد من وجود.

في قعر الزقاق. متمددة على أريكة التحليل. وجهي نحو سقف المكتب. أقفلت عيني كي آتواصل أحسن مع ما هو منسي، مع هو مقفل ومرفوض، مع ما لا إسم له وما لا يمكن التفكير فيه. أريد أن أعيد الحياة لأبي. أريد أن تحصل لي لقياه، علما بأن غيابه، بل وربما عدم تواجده لدي بالكامل، قد حفر بداخلي جرحا قبيحا، نوعا من القرحة العميقة والمدفونة والتي سأبحث في تقرحاتها عن بذور أمراضي. وهكذا فإني كنت ومازلت حريصة على التقاط كل الذكريات، وكل التصورات التي بقيت لدي منه، حريصة على جمع كل فتاة الذاكرة التي يمكن أن توصلني من جديد إليه. 

خلال ليال طفولتي وفي فترة المراهقة، لطالما راودني كابوسان اثنان. في الكابوس الأول كنت أكابد مشهدا حصل وقوعه بالفعل في حديقة فانسين للحيوانات : كي أتمكن من رأيت السباع والنمور، وضعني أبي على مرتفع يطل على الخندق العميق الذي يفصل بين الحيوانات والمشاهدين. كان يني بقوة. وفي الواقع كان خوف عميق قد تملكني لكنني لم أقم بالإفصاح عنه. وما كنت أخشاه في الواقع فقد تحقق في الكابوس. كنت كل مرة أسقط في الخنق فاستيقظ وأنا اختنق من شدة الهلع لرؤية الحيوانات وهي تتجمع حولي. كنت لا أتجاوز السادسة أو السابعة من عمري.

أما في الكابوس الثاني فكنت أصغر بكثير. سنتان أو ثلاثة وربما أقل. ( في بعض المرات رأيتُني رضيعا لبضعة أشهر). كان أبي يحملني على كتفيه وكنا قد تهنا في غابة صنوبر مغطاة ثلجا. وهذا الثلج، الذي لم يسبق لي رؤيته إلا في الصور، جعل هذا المحان جميلا جدا، لا مثيل له، فظننت أنه محرم علي، وبأنه من غير الممكن أن أمكث فيه طويلا. ومع ذلك لم يكن بإمكاننا الثور على الممر للخروج منه. كان الطقس مهددا ومنذرا وكنا ندور وندور حول أشجار الصنوبر ولم نجد إلا إياها وأكوام الثلج التي دهستها أقدامنا مرات ومرات. كان أبي يمسك رجلي بيديه وكنت أحس برأسه الساخن بين فخذي. كان يضحك ولا يبدي أي تكدر أو قلق. لكني كنت أعلم بأن المساء سيحل وبإننا تهنا وضللنا  الى أبد الآبدين... وهكذا استيقظ كل مرة وأنا أتصبب عرقا.

أهكذا أكون قد اكتشفت منذ نعومة أظافري بأن "الشيء" قد تمكن من عالمي وبأن أبي بغير كفئ أن يحميني منه. فلا حول ولا قوة لأبي عندي وما له من أبعاد إلا تلك التي رضيت له بها أمي. لم تكن له أبعاده الخاصة به. لقد كان أبي غريبا تماما ولم ينخرط أبدا في حياتي.

يحدث لي في بعض الأحيان أن أتملى في الصور القليلة التي احتفتظت بها عنه. وبالمقارنة مع الصور التي تظهرة في آخر حياته مهندما، لابسا بذلته الأنيقة وربطة العنق، أفضل تلك التي تتعلق بشبابه، تلك الفترة التي لم يقم فيها بعد بتشكيل وتثيبت الصورة النهائية لشخصيته. لقد كان قبيح الطبع، مشاكس ويغلب عليه الكبرياء. لقد ابتعد عن منزل الأبوين بلاروشيل وعمره لا يتجاوز الغامسة عشر. استقر في باريس كعامل مياوم قاطعا على نفسه الا يعدو الى منزل العائلة إلا وبجيبه شهادة مهندس. وهي شهادة حصل عليها بمجهوده الشخصي وباجتهاده. إحدى الصور تبرزه عاملا شابا، يحتذي حذاءا غليظا ويرتدي سرولا طويلا وفضفاضا يبدو وكأنه ممسوك بشريط من القنب. عليه قميص رفعت أكمامه وفتحت أزراره الصدرية. رأسه مرفوعة قليلا الى   الخلف وهو يضحك تحت الشمس أمام خلفية من ألواح الخشب. في قبضته باقة من الزهور البرية. إلى من كان سيهديها ياترى ؟ 

لقد واظب على الدروس الليلية واجتاز امتحانات ومباريات. ومع مواصلة حياته العمالية توصل الى منصب مهندس معماري. كان يحب الحديث عن تلك الفترة وعن العذاب الذي عاناه، وهو الإبن البورجوازي، في تحمل حياة المياوم المضنية ومن حمل الأثقال التي سلخت ظهره. وفي المساء، بعد انتهاء العمل، يتحلق الرجال حول موقد نار، بين أكوام الحجارة المتراكة وبين قطع وقضبان الحديد المتناثرة. يقومون بتسخين ماء كثير، يلقونه على ظهره حتى يمكنه فسخ قميصه الملتسق بالدم المتيبس على ظهره. لقد باح لي بأن الأخرين كانوا يسمونه مازحين بالأمير نظرا لجمال يديه ولرقة وهشاشة جلده. لقد احتفظ بنوع من الحنين لهذه الزمالة ولهذه الحياة الصعبة. فهو لم يرجع بالتمام الى وضعه البورجواز السابق. يتجلى ذلك من خلال طريقته في تناول أداة ما بيديه. كانت أمي تقول : "إنه ليس من مقامنا. يكفيك أن تري كيف يتناول طعامه". وبالفعل، خلال تناول وجبات الغذاء، نراه يميل  قليلا على صحنه وكأنه يقٓدر ما يحويه بكل جد ورضى فيريد أن يحميه بذراعيه. يجب عدم تبذير الطعام. إنه لا يحب ذلك.

لست أذكر بأي صدفة وقعت يدي في أحد أدرج منزلي على شهادته كمهندس وعلى شهادات سياقة الدراجة والسيارة، وكذلك على شهادات رؤساء أقسام عمله بجه في العمل وهو في طور التعلم ثم مياوما ثم رئيسا للعمال ثم مهندسا. وهاهي صورة أخرى لتلك الفترة. في ملعب لكرة التينس. نراه قافزا الى أعلى ومتأهبا لرد الكرة التي تبدو وكأنها باغتته. بدنه متمدد في الهواء من بجليه الى شعر رأسه، وفي نفس الوقت كان منعكفا على المضربة الكبيرة في يده، وكل قواه متمركزة في قبضته اليمنى. أما ذراعه اليسرى فقد رفعت الى السماء يد رجل جميلة، رقيقة وقوية.

كان ذلك في الزمن الذي لم يكن بعد فيه مصابا بالسل، وفي الزمن الذي لم يكن بعد قد تعَرف على أمي. فبهذين اليدين الجميلتين وبهذه الإبتسامة الساطعة وبهذا البدن الرقيق والمفتول، أظن أنه كان من الممكن أن يروقني. 

لم يجرح أحاسيسي أبدا. لم يخدش عواطفي ولم يعاملني بقسوة. وربما لكل هذا لم أتشوق أبدا لأب آخر غيره.


بعد مضس بضعة شهور، لما حاولت الحديث عن الهلوسة التي كانت تنتابني، تبينت بأن العين التي كانت ترعبني هي عين أبي. وفي نفسالوقت فهمت بأنه ليس هو من كان يخيفني وإنما اللآلة التي كان ينظر من خلالها والى الوضعية التي كنت فيها آنذاك. سأطيل الحديث عن كل هذا فيما بعد.