كاردينال وفن كتابة التحليل النفسي - مقالة


ماري كاردينال وفن كتابة جلسات التحليل النفسي



التحليل النفسي والأدب: ذهاب وإياب


لقد ألفنا من خلال التحليل النفسي وكذلك من خلال الإبداع الفني فكرة أن حقيقة الرغبة، لكي تجد طريقها لدى ذات الفرد، تمر عبر العديد من الانعطافات والتعرجات. كما تُعلمنا هذه المجالات أن نقل هذه الحقيقة إلى الجمهور يتخذ مسارات متنوعة: والكتابة هي واحدة من هذه المسارات المفضلة. لذلك، فإن مسألة نقل المعارف والخبرات من السلف إلى الخلف هي مسألة أسلوب.

وماذا عن نقل التحليل النفسي نفسه منذ فرويد؟ من الواضح أن لا شيء بتاتا يعزز تقبل أخلاقيات هذا المراس أو يسهل استلام خطابه. إلا أنه من الواضح أن الكتابة الفرويدية، بجمالها ووضوحها وصرامتها وقوتها التوضيحية، قد ضَمنت للتحليل النفسي حضورًا قويًا، دائمًا ما يكون مُقنعًا وداعيا للابتهاج. وكتابة فرويد هذه تستمر في الحفاظ على هذا الحضور عبر الزمن، عبر الثقافات والتقاليد، وعبر اللغات والترجمات. فقارئ كتب فرويد، حتى وإن كان مبتدئًا،  يجد لديه فكرا عميقا، ومنهجا عقلانيا، وكلمة حقيقية، مما قد يحفزه على مواصلة تساؤله حول حقيقة الرغبة اللاواعية التي تخصه.

لقد كسَبت الكتابة الفرويدية هذا التقدير بسبب ما تظهره من حب لفن الكتابة وقدرتها على نقل الأفكار التحليلية، مما أكسبها جائزة «غوته»في عام 1930 وأشاد بها العديد من معاصريه. على سبيل المثال، عبّر ألبرت أينشتاين عن إعجابه الكبير بفكر فرويد، قائلاً: «لا أعرف أحدا من معاصريَّ الذين استطاعوا عرض موضوعاتهم بهذه الطريقة المعلمية في اللغة الألمانية».

من هنا، يتضح أن فن الكتابة والأدب بشكل عام لم يكونا بعيدين عن التأثير في التحليل النفسي والتأثر به. فمن أجل تثبيت اكتشافه، اعتمد فرويد منذ البداية على نصوص أدبية عظيمة. قام بذلك أولاً من أجل توضيح وتأكيد المعرفة التحليلية، ثم بعد ذلك من أجل إلقاء الضوء على العمليات والآليات اللاواعية التي تكمُن وراء الأعمال الأدبية. ومن بين هذه النصوص، يمكن الإشارة إلى «أوديب-الملك» لأسخيلوس، و«إغراء القديس أنطونيوس» لفلوبير، و«هاملت» لشكسبير، و«موسى» لميكيل آنج، و«غراديفا» ليِنسون، وغيرها.

وكما نعلم، لجأ لاكان، على خطى فرويد، إلى أسماء أدبية كبيرة من أجل صياغة مفاهيمه التحليلية الخاصة: فدرس مثلاً مسألة «الرغبة»معتمدا على كُتَّاب كبار من أمثال أسخيلوس وشكسبير وكلوديل. كما درس بشكل أعمق مفهوم «المتعة» مع نصوص من باتاي وديدييه، دون أن ننسى بالطبع استعانته بكتابة جيمس جويس التي ألهمته مفهومي «السنتوم» و«البديل»، وغيرها.


استعمال التحليل النفسي في عملية الابداع الأدبي


الجانب الآخر لهذه العلاقة بين التحليل النفسي والأدب هو التأثير العميق الذي تركه التحليل النفسي في مجال الإبداع الأدبي. ومع ذلك، يعتمد اهتمام الكتاب بالتحليل النفسي في أغلب الأحيان على الزاوية التي يتناولونها منه. بشكل عام، يتم استثمار التحليل النفسي من خلال موقفين مختلفين أو حتى متناقضين:

- الموقف الأول هو تقليص التحليل النفسي إلى معرفة نفسية قابلة للتحويل والتطبيق الخارجي في العملية الإبداعية الأدبية. على سبيل المثال، تجربة السرياليين الذين كانوا يعتقدون أنهم يستطيعون تطبيق المنهج الفرويدي في نوع من الكتابة الشعرية التلقائية. لكن هذا النقل الذي أعتبره «عشوائيا» للمنهج والمفاهيم التحليلية، يختلف بشكل ملحوظ عن استخدام فرويد للتداعي الحر في إطار العلاج، حيث يكون هذا التداعي مشدودًا إلى حبل التحويل بشكل مستمر، تماما كما يكون حبل الخيمة مشدودا الى عمودها ووتدها. وقد أشار فرويد إلى هذا الخطأ السريالي في إحدى رسائله إلى أندريه بريتون، قائلاً: «أستلم شهادات كثيرة من التقدير بخصوص أبحاثي، ولكن من جهتي، لا أجدني في وضعية تمكنني من الحصول على فكرة واضحة حول ما يريده السرياليون».

- الموقف الثاني هو موقف الكتاب الذين يتعاملون مع التحليل النفسي كما هو، أي كـ «تجربة خطاب» يتم إجراؤها مع محلل نفساني، ويمكن تفكيك دوال هذا الخطاب من خلال كلام المتحلل وانصات المحلل. هنا يمكن الإشارة إلى بعض الروايات التي تمثل هذا الموقف: «موسم مع لاكان» لبيير ري، ورواية جان ماتيرن التي ترجمناها تحت عنوان « في الفقدان»  وذلك رواية نيكول مالينكوني «انفصال»، وكذلك رواية «الطفل الأزرق» لهنري بو شو، وطبعًا  رواية ماري كاردينال التي قمنا بترجمتها تحت عنوان «الكلام المباح»….الخ.

في هذه الأعمال، يتم رفع العرَض العيادي إلى مستوى العمل الأدبي. وها هنا يلتقي التحليل النفسي والأدب في نقطة نهائية حيث يتداخلان تمامًا.

منذ بداية التحليل النفسي، لم يفوِّت فرويد فرصة الإشارة إلى أن حالاته العيادية تُقرأ كقصص خيالية، وهذا ما كتبه إلى زميله فليس قائلا: «أنا نفسي مندهش من أن ملاحظاتي عن المرضى تقرأ كالروايات، وأنها بالكاد تحمل تلك الجدية المخفية التي هي من خصائص كتابات العلماء. ومع ذلك، أُطمئِن نفسي بالاعتقاد أن هذه السمة تُعزى بالطبع إلى طبيعة الموضوع نفسه وليس إلى اختياري الشخصي».


الكتابة التحليلية والرواية


إذاً، كان الكشف التحليلي للحقيقة اللاواعية هو ما دفع فرويد إلى تحويل قصص الحالات العيادية إلى شبه روايات، وهو ما فعله في كل ملاحظاته التالية. إنه فعل ذلك في كل مرة لأنه لاحظ أن الكتابة الروائية هي الأنسب لعرض الحالات وكشف الحقيقة اللاواعية. ولكن في رأيي، لم ينجح المحللون النفسيون بعد فرويد في ذلك، باستثناء عدد قليل من المحللين الذين تأثروا بنعمة الكتابة الشعرية.

جاك لاكان، عند إعادة قراءته لحالة «دورا»، يقدّر بشدة قيمة أسلوب فرويد في رواية هذه الحالة، حيث يربط بين تقدم علاج دورا ورواية فرويد بشكل كامل. يشير لاكان إلى أن فرويد في سرده لهذه الحالة، قد تمكن من نقل قوة الإقناع الناتجة عن تقدم عملية العلاج التحليلي. بل إنه يرى في هذه الطريقة الفرويدية مثالًا على التقاء مُقنِع بين الأدب والتحليل النفسي.

وهذا ينطبق أيضًا، كما أعتقد، على القصص الأدبية التي تم الإشارة إليها سابقًا. ففي هذه القصص، لا يتعلق الأمر بتوظيف المادة التحليلية وإسقاطها على المادة الأدبية، بل يتعلق بكتابة يحافظ أسلوبها في آن واحد، على فعالية الاستعارة الشعرية للأبداع الأدبي وعلى قوة فعل التحليل النفسي.



الكتابة الأدبية كخبرة نفسية


الكتاب الذين ينطلقون من هذا المقام، يحاولون أخذ التحليل النفسي ليس كـ «مجموع من المعارف القابلة للنقل»، بل كتجربة ذاتية لحقيقة الرغبة وتأثيراتها على الكاتب/المحلل نفسه. كما كتب جان ماتيرن: «لن يكفيك فهم نظرية فرويد عن الكبت لكي تعرف كيف تُخفف من وزن معاناتك أو اضطرابك. كان هذا مهمًا جدًا بالنسبة لي في السابعة عشرة من عمري. إلا أن اكتشافي لمفهوم الكبت لم يغير أي شيء من حالي. ومع ذلك، فإن هذا الاكتشاف عزز آنئذ قناعتي بأن الأدوات لفهم ما لم أفهمه يومًا، تكمن في اختباري شخصيا لهذا المعرفة الفرويدية».

في هذه الكتابات، نجد أدبًا يعبر عن تجربة علاجية نفسية، حيث يتم تدوينها بطريقة شعرية، يتم خلالها التوازن بين فنية الكتابة واستشفاف حقيقة مسار الذات السيرة الذات من خلال التحليل.



وقت السرد وتوقيت التحليل


كل هذا يكشفه لنا سرد ماري كاردينال في تسلسل زمني خاص. تسلسل زمني لا يتبع عرْضًا خطيًا للأحداث التي عاشتها. بل يتبع توقيتا يتماشى مع سير التحليل الذي يهدف، في حاضر الجلسة وبمواصلة استرسال الجلسات، إلى إعادة تأريخ الماضي من أجل نقله إلى المستقبل. وهذا هو ما أبرزه فرويد في رسالته إلى فليس عندما قال: «بدأت أفهم أن الطبيعة التي تبدو غير منتهية للعلاج تحددها قاعدة ما وتعتمد على التحويل». هذه القاعدة التي يشير إليها فرويد والتي تحدد العلاج  التحليلي لا يمكن أن تكون في رأيي إلا قاعدة الوقت اللازم لتطور عملية التحليل. إنه «وقت المنطق»، وليس وقت الساعة، بحسب تعبير جاك لاكان.

يبدأ التحليل ثم يتطور ويتقدم ببطء أو بسرعة، ثم ينتهي ويتوقف. وهذا «الزمن المنطقي» الخاص بالتحليل، هو أيضًا ما يرتب حياة الإنسان ككل، وهو أيضا ما ينظم تركيب أي جملة في خطاب ما. ينقسم الوقت الخاص بالتحليل، وقته المنطقي، إلى حركة جدلية، تتكون من ثلاث مراحل أشار إليها لاكان: «لحظة التبصر»، «زمن الفهم»، و«فترة الاستنتاج».

المرحلة الأولى التي لا تدوم إلا لحظة واحدة، تتحدد عادة خلال ما يسمى بـ «المقابلات الأولية». في بداية التحليل، يتحقق المحلل مما إذا كان مريد التحليل مستعدًا لأن يصبح منخرطا في عملية التحليل، أي مستعدًا للتساؤل عن خلفية ما يكتنف حياته من معوقات ومعاناة، جعلته يكرر  المؤلم والاسوء رغما عنه . والأهم من ذلك، يتحقق خلالها المحلل مما إذا كان طالب للتحليل مستعدًا للاعتراف بجزء من الاستمتاع الذي اصطفاه لاشعوريا كي يجيب ويستجيب  لرغبة الآخر.

ولكن قد يحدث أن «لحظة التبصر» هذه، تحصل لدى شخص يعاني من ألم الوجود واحتراق التساؤلات، حتى قبل أن يلتقي بمحلل نفسي. هذا هو حال ماري كاردينال التي كانت تنتظر لحظة اندراجها في التحليل بفارغ الصبر.

في الفصل الأول من سردها، تقص ماري كاردينال عددًا من الأعراض التي كانت تعوقها بشكل خطير. بعضها كان في جسدها، مثل التشنجات المختلفة ونزيف الدم المسترسل من  مهبلها، وهي أعراض جسدية كانت، لمدة ثلاث سنوات، تقطع كل اتصال لها مع الآخرين وتقيد مساحتها الحياتية حتى الانعزال. كما تتحدث عن هلوسة كانت تخيفها بشكل مستمر ولم تتمكن من الحديث عنها بشكل موسع إلا بعد ثلاث سنوات من تحليلها، خوفًا من أن يُنظر إليها كمجنونة ويُلقى بها في مستشفى الأمراض العقلية. وتذكر أيضًا ما كانت تكتبه بكلمتين وبحروف كبيرة: «الشيء» و«الخوف»، لتعبّر عن هذا القلق اللامحدود الذي كان يعذب كيانها، ويجعلها تعيش أسوأ صور الجنون والموت.

كل هذه الاضطرابات والمعاناة والموانع، كانت قد عرضتها مرارًا وتكرارًا أمام أنظار العديد من الأطباء والمتخصصين في الجسد والنفس: بعضهم حاول تنظيم تدفق الدم وحركات الجسد باستخدام المشرط والمقص؛ وآخرون كانوا يتسارعون لتهدئة اضطراب العقل باستخدام جرعات متزايدة من المهدئات والمضادات للاكتئاب، لكن دون جدوى. 

الاسوأ من ذلك، أن ماري كاردينال، خلال هذا المسار العلاجي الطويل والمكلِّف، أصبحت مقتنعة بأن أبواب «سجن الصحة» سوف تُغلق أمامها إلى الأبد. أدركت أنه من خلال تسليم نفسها «لعلم الآخر» الطبي - وحتى لاستمتاعه، ولماذا لا -  كانت ستدفع الثمن باهظًا لتصبح كائنًا بلا ألم، ربما، ولكن أيضًا بلا طعم ولا نكهة.  في كل المصحات الطبية التي زارتها، كان الجميع يتحدث عنها ويوصيها، ولكن لا أحد يطلب رأيها أو يستقبل طلبها. الجميع يقدم لها إجابات، ولكن لا أحد يسمع سؤالها الذي كانت ترغب في طرحه قبل إجابة الآخر. وهذا هو السؤال الذي كانت متمسكة به بكل قوتها، فإن كان «ما أبحث عنه في الكلام، كما يقول لاكان، هو جواب الآخر. فإن ما يميزني كذات فهو سؤالي».

خلال المرحلة الثانية من الزمن المنطقي للتحليل، «زمن الفهم»، تُقدم ماري كاردينال لنا سماع تباين الذات في كامل بهائها: التباين بين ما ترغب فيه ولكن لا تستطيع، وبين ما لا تستطيع أن تقوله ولكن تقوله بطرق أخرى غير الكلام، وبين ما تطلبه ولكن لا ترغب فيه، وبين ما ترغب فيه ولكن لا تريده، وهكذا دواليك.

ولهذا السبب، فإن الأثر العلاجي لا يُستهدف مباشرة في التحليل. وعندما يحصل أثر للعلاج بالتحليل، فإنه يأتي دائمًا بصورة غير متوقعة، حسب تعبير فرويد. فهو عادة لا يحدث إلا من خلال التحقق من العمليات اللاواعية، ويمر عبر فعل«منح المعنى للأعراض، منح المكان للرغبة التي تخفيها هذه العراض».

من خلال كلمات بسيطة، واضحة، حقيقية، وأصيلة، تقول أو تكتب ماري كاردينال للقارئ ما لا تستطيع تحمله في ما تعيشه، وما تعانيه مما تشعر به. وكلما تقدمت في تحليلها، تحسب النقاط الجيدة: فلق كانت ترى الأعراض تسقط واحدة تلو الأخرى. تسقط كما تسقط الأشباح التي تفقد سحرها بعد كشف الكلمات السرية، المختبئة في اللاوعي. ولكن إذا كانت هذه الانتصارات ضد معاناتها لها قيمة لا تقدر بثمن، فإن ما يهمها أكثر هو ولادة كيانها الرغبي، هي التي رأت نفسها مولودة ميتة في عيون الآخر الأمومي. إنها الكائن الحي الذي يشير إلى إجهاض فاشل وفقًا لرغبات الآخر الأمومي غير المشبعة. وتستمر في التقدم برأس مرفوعة، وقبضة مشدودة، تدوس بأقدامها الكلمات الميتة من ماضيها، وتخترق بكلامها الآفاق المصفحة نحو مستقبلها: «لقد وُلدت مع التحليل، كما تقول، لم أكن موجودة قبل ذلك».

«لحظة الاستنتاج»، أخيرًا، وهي المرحلة التي تأتي لتعطي توقيفًا لهذا الوقت الطويل أو القصير الذي هو «وقت الفهم». في الحالة المعاكسة، لا يسير التحليل نحو نهايته بل نحو توقف مبكر أو، على العكس، نحو أبدية تحويل لامتناهي.

نهاية التحليل ليست أيضًا مشابهة للاسترخاء أو حتى اختفاء الأعراض. في الواقع، قد تختفي المعاناة من الأعراض قبل أن يمكن للتحليل أن يدّعي نهايته. وعلى العكس، قد ينتهي التحليل رغم بقاء بعض الأعراض أو تفاقمها.

إنه أيضًا مصير التحويل الذي يعتمد عليه سير التحليل وتقدمه. يمكن أن ينكسر أثناء الطريق أو يستمر إلى ما لا نهاية. في كلا الحالتين، سواء تم كسره أو استمر إلى ما لا نهاية، لا يوجد تحليل. ما يميز التحليل هو نهايته، وما يحدد نهاية التحليل هو أن التحويل على شخص المحلل يتناقص أو حتى ينضب، وفقًا لتعبير فرويد. وتتحقق إزاحة المحلل من موقع «الذات-مفترض-عارفة» والذي أرساه فيه مريد التحليل.

لهذا السبب، لا يمكن تحديد نهاية التحليل مسبقًا. ما سيدفع الذات إلى اتخاذ قرارها في الاستنتاج النهائي هو ملاحظتها أن الحقيقة المتجسدة في رغبتها اللاواعية قد حلت محل طلب الحب.



فتح آفاق


لذا ليس من المستغرب أن يكون من بين حوالي اثني عشر رواية كتبتها نفس المؤلفة، كتاب «الكلام المباح» هو العمل الذي يلقى دائمًا جمهورًا واسعًا: إعادة إصدار متعددة تجاوزت الثلاثة ملايين نسخة؛ وتمت ترجمته إلى نحو ثلاثين لغة؛ وحصل على إخراج رائع للسينما في عام 1983 بنفس العنوان، ثم في أبريل من هذا العام، تم تقديمه كعرض مسرحي في باريس. هكذا يواصل هذا العمل مصيره الذي يتمثل في التشجيع، بفضل الكتابة الشعرية، على جعل الكلمة التحليلية مرغوبة وقابلة للنقل.

ولا يبدو غريبًا أيضًا أنه منذ حوالي عشرين عامًا، في إطار مهمتي كأستاذ جامعي، ما زلت أجد نفسي مستعدًا بكل سرور لمشاركته مع طلابي في علم النفس، الذين يُظهرون في كل مرة اهتمامًا خاصًا بمثل هذا العمل في اقترابهم من المسائل العيادية والتحليلية.

أكثر من ذلك، ومن خلال نوع من السحر الثابت، أجد نفسي، مع متعة متزايدة، أبدأ في ترجمة هذا السرد إلى اللغة العربية، ترجمة ستضاف إلى نحو ثلاثين ترجمة أخرى قد حصل عليها العمل بالفعل. ومن يدري! ربما ستجلب هذه الترجمة متعة مضافة لبعض القراء الآخرين في هذه البلدان التي لها تاريخ طويل في صناعة الأدب، لكنها لم تجرب بعد وبالقدر الكافي ما قد يكون للتحليل النفسي من آثار طيبة على المستويين الذاتي والفكري.

من خلال متعة مزدوجة، بل وربما ثلاثية، سيُقدر القراء المنتمي  لهذه الحضارة - التي تعيش اضطرابات متعددة ومختلفة العمق، في وقتنا الحاضر - ومن خلال اللغة العربية، ما تركه لنا كتاب  مثل ماري كاردينال: فن الكتابة بصدق وشاعرية، وسرد تحليلي، لابد يسهم في نقل شغف التجربة التحليلية.









المراجع (بالفرنسية)

بوشو هنري، الطفل الأزرق، باريس، أكت سود، 2004.

كاردينال ماري، غير المنشور، غراسيه، (كتاب الجيب)، 2012.

كاردينال ماري، الكلام المباح، باريس، بوك، 1975.

شابسال مادلين، ما علمتني إياه فوانسواز دولتو، باريس، فيارد، (كتاب الجيب)، 1994.

فرويد سيغموند، بروير جوزيف. (1895)، دراسات في الهستيريا، باريس، منشورات جامعات فرنسا، 2000.

فرويد سيغموند، رسالة 16 أبريل 1900، ولادة التحليل النفسي، رسائل إلى فيلهلم فليس، ملاحظات وخطط، باريس، منشورات فرنسا الجامعية، 1956.

فرويد سيغموند، خمسة تحليلات نفسية، باريس، منشورات فرنسا الجامعية، 1992.

فرويد سيغموند، أربع رسائل إلى أندريه بريتون، الأعمال الكاملة، التحليل النفسي، XIX (1931-1936)، باريس، منشورات فرنسا الجامعية، 1995.

لاكان جاك، تدخل في التحويل، الكتابات، باريس، سوي، 1966.

لاكان جاك، السيمنار، الكتاب الأول، (1953-1954)، الكتابات التقنية لفرويد، باريس، سوي، 1975.

لاكان جاك، عمل التأسيس، في كتابات أخرى.

لاكان جاك، (1953)، وظيفة ومجال الكلام واللغة في التحليل النفسي، في الكتابات، باريس، سوي، 1966، ص 229.

مالينكوني نيكول، االإنفصال، منشورات ليان كوي ليبيري، 2012.

ماترن جان، عن الفقدان وسعادات أخرى، باريس، غاليمار، 2016.

بورتج إريك، نقل العيادة التحليلية؛ فرويد، لاكان، اليوم، رامونفيل سانت-أغن، إيريس، (نقطة خارج الخط)، 2005.

ري بيير، موسم مع لاكان، باريس، روبرت لافون، 1989.