في طور الإعداد: ترجمة كتاب



... إن هذا الشخص مسلم الأصل ـ وهذه مٓعْلمة من حياته لا يمكن تجاهلها وإن كان دوما من غير الصائب عرض حالات خاصة أثناء التدريـس ـ إلا أن أحد العناصر الأشد إثارة للإنتباه في سيرورة تطوره النفسي يكمن في ابتعاده عن التشريع القرآني بل ونفوره منه. في حين أن هذا التشريع يمتلك من الشمولية ما نعجز عن توقعه في إطار مجالنا الثقافي الذي تم تحديده بقولة : “أرجع لسيزار ماهو لسيزار ولله ماهو له”. أما في الوسط الإسلامي فبالعكس من ذلك، فإن للشرع من الشمولية ما يجعل فصل المستوى القانوني عن المستوى الديني مستحيلا كلية. يمكن القول إذن أن لدى هذا الفرد المنتمي لهذا الوسط الثقافي بأنسابه وبوظائفه وبمستقبله، تجاهلا بالشريعة القرآنية. وهذا شيء أثار انتباهي انطلاقا من الفكرة الصائبة، حسب اعتقادي، والتي مفادها أنه من غير الممكن تجاهل الأنتماءات الرمزية لأي فرد كان.

وهذا ما يؤدى بنا صوبا الى صلب الموضوع، ذلك أن الشريعة الإسلامية تنص فعلا بقطع يد كل من أُثبتت تهمته بالسرقة. فهذا الفرد وجد نفسه إبان طفولته وسط دوامة عارمة إذ أتى الى مسامعه ـ ويالها من كارثة بحيث أن أباه الموظف فقد منصبه ومكانته ـ بأن أباه سارق محتال مما يلزم قطع يده.

طبعا، إن هذا القانون لم يتم تنفيذه منذ زمن بعيد، مثله في ذلك مثل قوانين مانو القائلة بأن من اقترف غثيان المحارم مع أمه يَبتر بنفسه أعضاءه التناسلية ويتجه نحو الغرب حاملا إياها في يده. إلا أن هذا القانون لا يزال مسجلا في النظام الرمزي الذي يؤسس العلاقات الإنسانية والمسمى شرعا. فما سمعه هذا الفرد لم يبق لديه منعزلا بصفة متميزة عن باقي مضمون الشرع فحسب بل إنه استرسل في أعراضه المرضية. إن باقي المرجعيات الرمزية لمريضي هذا، مع كل تلك الخبايا البدائية التي تنتظم حولها علاقاته الأساسية بعالمه الرمزي، قد تمت زعزعتها بل وإسقاطها نظرا للبروز المتميز الذى حظي به لديه هذا القانون. فهذا الأخير يحتل عنده مكانة المركز لنماذج تعبيرية شتى، سواء كانت عرضية لاواعية، غير متقبلة منه ومتنافرة. فهي نماذج كلها مرتبطة بهذه التجربة الأساسية التي حصلت أثناء طفولته....

جاك لاكان