حالات حدية
أم حدود المحلل أمام التحليل؟
Abdelhadi ELFAKIR, « États limites et discours psychanalytique (0. Kernberg et la question de l'inanalysabilité des patients dits cas limites) » Études psychothérapiques, n° 8, 1993, pp. 161-179.
Les développements autour de la catégorie d'états limites sont-ils à mettre sur le compte d'un approfondissement de la clinique et la théorie psychanalytiques ou sont-ils à considérer comme le résultat des dérives psychologisantes de celles-ci ? Les positions qui sous-tendent la promotion de cette catégorie ne conduisent-elles pas à ravaler la division primordiale du sujet en une pathologie de l'instance moïque et ne donnent-elles pas par là-même à l'analyse une visée médicalisante et adaptative ? Le transfert y est manié au niveau du seul registre de la conflictualité œdipienne où l'identification au moi de l'analyste devient le seul repère dans la direction de la cure. L'archaïsme supposé des mécanismes défensifs du moi dit limite ainsi que sa prétendue inanalysabilité ne se conjuguent-ils pas pour mettre à l'abri de la tâche analysante la résistance insoupçonnée mais toujours agissante de l'analyste ? L'exemple de Otto Kernberg (Ancien président de l’IPA) ici largement analysé nous en dira long.
عبد الهادي الفقير
مقدمة
هل تُعزى النقاشات والكتابات المتعلقة بفئة ما يسمى بالحالات الحدية أو البينية إلى تدقيق الممارسة العيادية وتعميق التنظير في مجال التحليل النفسي، أم أنها نتيجة انحرافات تنظيرية ومنهجية في هذا المجال؟ ألا تؤدي المواقف التي تدعم الترويج لهذه الفئة إلى تقليص واختزال الانقسام الأساسي الذي تتسم به الذات البشرية (أساسا بين الوعي واللاوعي) إلى مجرد أعراض مرضية تتم مراقبتها على مستوى الأنا، مما يعطي للتحليل هدفًا طبيًا تكييفيًا؟ وفي هذه السياق، ألا يُدار التحويل على مستوى الصراعات الأوديبية فقط، حيث يصبح التماهي مع أنا المحلل، المرجع الوحيد لتوجيه التحليل؟ ألا يتلاقى الافتراض المسبق حول بدائية آليات الدفاع لدى الأنا المسمى «حديا» أو «بينيا» مع الادعاء بعدم قابليتها للتحليل، ما يضع المقاومة، غير المتوقعة ولكن الحاضرة دومًا لدى المحلل النفساني، في مأمن من المهمة التحليلية؟
لمحاولة الإجابة على هذه الأسئلة سيرتكز هذا المقال على دراسة مفصلة لموقف أحد المروِّجين الكبار لهذه الفئة السيكو-باثولوجيه والمنظرين لها في إطار التحليل النفسي المسمى «بعد-فرويدي» وأقصد هنا أوتو كيرنبرغ، أحد الرؤساء السابقين للجمعية الدولية للتحليل النفسي IPA (التي أنشأها فرويد سنة ١٩١٠). سنعتمد في هذه الدراسة كذلك على إعادة قراءة حالتين أشرف على علاجهما كيرنبيرغ نفسه، مجيبين في نفس الوقت على الأسئلة المطروحة أعلاه.
يشير جان-كلود مالفال[1] إلى أنه، بعد وفاة فرويد، بدأ عدد من المحللين ملاحظة زيادة حالات مرضى يبدو وكأنهم يعانون من نوع معين من الأمراض غير المألوفة سابقًا. في الوقت نفسه، ظنوا أن العلاج التحليلي التقليدي لم يصبح ملائمًا لهذا النوع من المرضى الذين يظهرون مقاومة عنيدة ضد التحليل. منذ ذلك الحين، بدأت أشكال من متلازمات جديدة تظهر أمام أعين هؤلاء المحللين الذين سعوا إلى تفسيرها باعتبارها جزءًا من تطور النظرية والتقنية في التحليل.
استنادًا إلى ممارساتهم التحليلية، ظن هؤلاء المحللين أن هذه الفئة تتسم بتنظيم معين للأنا، يسمح بتجاوز مرحلة الذهان دون الوصول إلى العصاب. وهكذا أجمعوا على هشاشة الأنا لدى الحالات الحدية، وضعف الأنا الأعلى، وبدائية المثال الأعلى للأنا. وبناءً على ذلك، تم تحديد آليات رئيسية لهذه الفئة، من بينها الإنكار والانقسام والتماهي الإسقاطي.
يشير مصطفى صفوان، من جانبه، إلى أن هؤلاء المحللين، استنادًا إلى أعمال أبراهام، سعوا إلى تصنيف الفئات السريرية بناءً على تسلسل زمني نفسجنسي. هذا المنهج يعتمد على ربط كل فئة بمرحلة معينة من التطور الليبيدي يُفترض أنها تتوافق معها. تقوم هذه المقاربة بتحديد مستويات المرض النفسي وفقًا لمراحل النمو الليبيدي، مما يجعل قوة أو ضعف الأنا المعيار الأساسي للتشخيص والتوقعات العلاجية.
لكن هذه الاستنتاجات لم تأخذ بعين الاعتبار الانحرافات النظرية والتقنية التي تعرض لها التحليل النفسي على هذا الأساس، إذ أن هذه المقاربة سهمت في تعزيز ما يُعرف بـ «علم نفس الأنا»، والذي أصبح أساسًا نظريًا ونموذجًا عمليًا لدى العديد من المحللين بعد فرويد. أصبح هذا المبدأ هو المرجع الذي يحدد طريقة المحللين (في الجمعية الدولية للتحليل النفسي) في التعامل مع الحالات السريرية. وهو ما تجلى بشكل واضح في أعمال المحللين الأمريكيين، لا سيما أوتو كيرنبرغ، الذي يُعتبر رائدًا لهذا الاتجاه.
في هذا البحث، سنركز على دراسة مساهمة كيرنبرغ في معالجة الحالات الحدية، بما يشمل التعديلات التقنية التي أضافها على العلاج التحليلي النفسي لتناسب هذه الفئة، بحسبه. كما سنناقش الأسس الميتا-سيكولوجية والنظرية التي يدعم بها تبرره لهذه التعديلات.
علم نفس الأنا و«العلاقة بالموضوع» كإطار نظري لآليات الأنا الحدية
بالنسبة إلى كيرنبرغ، تُعتبر آليات الدفاع مثل الانشقاق النفسي، المثالية المفرطة، التماهي الإسقاطي، الإنكار، الشعور بالقدرة المطلقة، والتقليل من قيمة الذات أو الآخرين، مميزة للأنا الحدي. وهذه الآليات تترك تأثيرًا سلبيًا وعميقًا على علاقة الأنا بالموضوع، مما يجعلها تتسم بسمات مرضية واضحة.
وفي هذا السياق، يرى أيضا أن «العلاقة بالموضوع» المنشطرة، تفسر سطحية العلاقات التي يبنيها المرضى الحدِّيون، وعجزهم عن إظهار مشاعر التعاطف والاهتمام تجاه الآخرين، أو الإحساس بالحزن والذنب عند غيابهم. هذا العجز عن إصلاح الموضوع (كما في العلاقات العاطفية) يدل، وفقًا لكيرنبرغ، على خلل أساسي في قدرة هؤلاء المرضى على استيعاب التجارب بشكل داخلي.
فإذا كان الكبت في حالة المريض العصابي، يُعتبر آلية أساسية ومؤشرًا واضحًا على أهليته للعلاج التحليلي، فإن الانشطار هو الآلية المهيمنة في التنظيم الحدي للشخصية وهذا ما يؤدي، وفقًا لكيرنبرغ، الى عدم قابلية هذه الشخصية للتحليل النفسي. عدم فعالية التحليل فيها يرجع الى تغيرات في الأنا لدى الحديين تتمثل في ضعفه أو تشوهه. فهذا الضعف في الأنا، إلى جانب العلاقة المرَضية مع الموضوع، يؤديان إلى مشكلات عملية مثل: ظهور ذهان التحويل أثناء العلاج ونزعات متكررة للتصرفات الاندفاعية أو «التمرير إلى الفعل».
قبل الخوض في تفسير الأسباب التي تجعل الحالات الحدية غير قابلة للتحليل النفسي (وفقًا لكيرنبرغ)، وأسلوب تعديلاته التقنية لعلاجهم، من الضروري إلقاء نظرة سريعة على الأسس النظرية التي تدعم موقفه. يستند كيرنبيرغ إلى «علم نفس الأنا» كما طوره هارتمان وكذلك الى نظرية «العلاقة بالموضوع» في منظور ميلاني كلاين. لكن، بينما تركز كلاين على «الخيال» وتصف الموضوع بأنه جيد أو سيئ بناءً على تصورات خيالية، فإن كيرنبرغ ينظر إلى الموضوع على أنه حقيقي وواقعي، مما يمنح للواقع المادي قيمة مركزية في تشكيل الأنا. يرى كيرنبرغ أن الموضوع الواقعي (مثل الثدي في المرحلة الفموية) هو موضوع الدافع الغريزي.
لكن المشكلة تظهر حين يتم اعتباره للموضوع كافياً لتلبية الرغبة بالكامل وهنا تظهر إشكالية جوهرية: كيف يمكن للموضوع أن يكون مناسبًا تمامًا لتلبية النزوة؟ الرغبة لا يمكن أن تجد إشباعًا كاملًا في أي موضوع خارجي، لأن النزوة ذاتها تقوم على أساس نقص أساسي. ولقد أبان جاك لاكان أن الرغبة مرتبطة بهذا النقص الأساسي. فالموضوع دائمًا «مفقود» ولا يمكن أن يُمتلك بالكامل. وهذه الفجوة هي التي تجعل العلاقة بين الذات والآخر ذات معنى وذات بنية. فالذات تواجه الآخر من خلال غياب أو فقدان دائم، وهو ما يفتح المجال أمام تعدد الموضوعات الجزئية (مثل الثدي، الصوت، النظرة...الخ). وعليه، لا يمكن تحقيق الرغبة إلا بشكل استعاري من خلال موضوعات بديلة، وهو ما يجعل الافتقار في الآخر هو العنصر البنيوي الذي ينظم رغبة الذات. يؤكد لاكان على أن الأم مثلا، بصفتها «الآخر الأول»، ليست مكتملة بذاتها، وتجد في طفلها «سدادة» لهذا النقص: «الأم تمتلك تلك اللذة التي تجعلها غير مكتملة تمامًا، أي تجعلها غائبة عن ذاتها كذات، وتجد في طفلها السدادة التي تغطي ذلك النقص».
هذا المنظور يشير إلى أمرين أساسين: الآمر الأول هو أن موضوع الرغبة لا يكون واقعيا تمامًا أو مكتفيًا بذاته أمام الرغبة. الآمر الثاني هو أن الرغبة دائمًا ما تعبر عن نفسها من خلال نقص أساسي لا يمكن تخطيه أو ملأه بالكمال والتمام.
حالة سريرية 1
سيدة في الأربعينيات من عمرها، بدأت علاجا نفسا مع كيرنبيرغ أثناء إقامتها في المستشفى بسبب الإدمان على الكحول والمخدرات، واستمرت في هذا الادمان حتى بعد خروجها. خلال تلك المرحلة من العلاج، لاحظ كيرنبرغ أمرين بشأن سلوك المريضة: فمن ناحية، أصبحت «متكيفة بشكل صحيح في عملها وحياتها اليومية»، ومن ناحية أخرى، دخلت في علاقات مازوخية مع رجال استغلوها.
فيما يتعلق بالعلاج، يبادر كيرنبرغ الى القول، باقتضاب شديد وبدون توضيح كافي، إن التحليل الذي أشرف عليه «كان سطحياً». ولهاذا قام بإخطار المريضة بأنها خلال تلك الفترة بقيت «تحافظ على مناخ من الصداقة التقليدية، وأن شعوراً غامضاً بالفراغ بدا وكأنه يخفي شكوكاً قوية لديها» في اتجاهه هو.
لكن، رغم رفض المريضة القوي لمثل هذه التدخلات، وهو ما يعزوه المعالج بسرعة إلى إنكارها لحقيقة تأويلاته، لم تسلم من العواقب: «بعد عدة أشهر من الامتناع التام عن تناول الكحول، عادت الى تناوله بكثرة وإفراط وأصيبت بالاكتئاب ثم فكرت في الانتحار واضطرت إلى دخول المستشفى مرة أخرى».
بعد خروجها من المستشفى، استأنف كيرنبرغ العمل العلاجي معها فدفعها مباشرة للبحث بشكل حتمي عن «السبب العاطفي أو المرتبط بالتحويل لتلك النوبة الجديدة من الإدمان على الكحول». أمام هذا النوع من التدخلات وجدت المريضة نفسها مرة أخرى ملزمة للتقوقع على نفسها والتزام الصمت أمام استفزازاته. إلا أن كيرنبرغ، عوض أن يتساءل عن فيمة تدخلاته، لم ير في تصرفها هذا إلا مثالاً صارخاً على إنكارها للحقيقة، حيث أنها «لم تعد تشعر بأي رابط مع هذا الجانب من نفسها» على حد قوله.
الآن، وبعد أن أصبح المعالج مقتنعاً بوجود آليات الانشطار والإنكار لدى المريضة التي تم الإقرار بأنها حالة حدية، سمح لنفسه بتكثيف تفسيراته التدخلية:
«كان هذا، بحسب رأيه، بداية جهد طويل استمر لعدة أشهر من قبل المعالج لربط موقفها المعتاد، «الودي» و«الفارغ» بظهور مشاعرها خلال النوبة الكحولية ومحاولاتها إخفاء تلك النوبة عن المعالج». ويضيف كيرنبرغ: «بعد فترتين جديدتين متطابقتين، على مدى أشهر قليلة، ظهرت خلالهما المريضة متكيفة وكان أداؤها يبدو مُرضياً، أصبح من الواضح أنها كانت تشعر بالمعالج (في اعتقاده) كأب بارد، بعيد في اقترابه منها وعدائي، يرفض حمايتها من أم أكثر رفضاً وعدوانية».
بعد هذا التدخل من طرف المحلل، ما كان من المريضة إلا أن شرحت له وبعاطفة عميقة، كيف أن والدتها، التي لم تكن تريد أن تتعطل أنشطتها المهنية، تخلت عنها في المنزل عندما كانت تعاني من مرض تبين لاحقاً أنه خطير للغاية. وهكذا بحسب كيرنبيرغ، لقد شعرت المريضة أنه إذا عبَّرت عن مدى احتياجها «لوالدها-المحلل» ومدى حبها له، فإنها قد تدمره بسبب شدة غضبها الناتج عن إحباط طويل وكبير. الحل الوحيد بالنسبة لها كان، في نظره، الحفاظ على ما اعتبرته أفضل علاقة ممكنة مع المعالج، وهي صداقة بعيدة، بينما تَقسم من جهة، بحثها عن الحب وخضوعها لرموز أبوية سادية في علاقات مازوشية مع رجال لا يحبونها، ومن جهة أخرى، احتجاجها على هذا الأب أثناء نوباتها الكحولية، حيث كانت مشاعر الغضب والاكتئاب مفصولة تماماً عن كل من المعالج وعن شركائها.
وهكذا كلما زادت جهود المحلل لجلب هذا المحتوى إلى داخل التحويل، بتفسيراته المتواصلة، زادت حدة قلق المريضة بشكل كبير، وأصبحت أكثر شكاً وغضباً تجاه المعالج. بل لقد اضطرها تصرف المعالج على هذا النحو الى الرجوع الى عادة إدمان الكحول بكثرة، إلى جانب الانخراط في علاقات حميمية فوضوية. إلا أن كيرنبرغ يبقى دائما متمسكا برد فشل محاولاته التأويلية البائسة الى سلوكيات المريضة الفوضوية والعدوانية الناتجة في نظره عن بنيتها النفسية الحدية، وليس عن تدخلاته الخاطئة في فهم التحويل وتوجيه التحليل. لهذا السبب قرر إعادة إدخالها إلى المستشفى.
من الملاحظ أن المريضة بدت في بداية العلاج النفسي، ولو ظاهريا، بحالة جيدة تماماً كما اعترف بذلك المعالج نفسه، لكنها في مستهل العلاج أخذت تبدو مضطربة للغاية. ومع ذلك، كان المحلل مقتنعاً، في هذه الحالة، وللمرة الأولى، بأنه أصبح يتعامل مع «شخص حقيقي»، وأعرب عن رغبته في مواصلة العلاج النفسي بالتزامن مع إدخالها المستشفى طالما كان ذلك ضرورياً، «ما قد يسمح في النهاية، بحسب تعبيره، بالتغلب على هذا النوع من التحويل الأساسي والثابت لديها والذي تم تسليط الضوء عليه».
يضيف كيرنبرغ أن هذه «الحالة توضح الهيمنة القصوى لآلية الانشطار». وبحسب رأيه، هذه الآلية تحافظ على جوانب النفس المتعارضة مفصولة فيما بينها، ما يدفع المريضة إلى مقاومة ظهور تحويل سلبي لديها. وهذا، في نظره ما يفسر سطحية العلاج الملحوظة، وأيضاً سبب عدم قدرة المريضة على إقامة تحالف علاجي مع معالجها. ولإعادة هذا التحالف، يرى أنه يجب على المعالج التركيز على تفسير «مقاومة المريضة العنيدة في ابقاء أناها متشظيا».
لكن في الواقع، ما يرفض كيرنبرغ رؤيته هو أن المريضة وحدها دائماً هي التي تتحمل تكاليف التدخلات التفسيرية للمعالج. أليس الاكتئاب والانتكاسات والانهيارات النفسية هي الثمن الذي تدفعه المريضة لقاء الجهود غير المبررة من طرف المعالج؟ ومع ذلك، كلما تجردت المريضة، وفقدت قدرتها على الرد أمام تدخلات المعالج، ظل هو مقتنعاً بأنه يواجه في تلك اللحظة فقط «شخصاً حقيقيا».
ولكن، حتى وإن كانت آليات الإنكار والانشطار المفترضة هي فعلاً من سمات تركيبة «الحالة الحدية» المزعومة، فلماذا نجد نفس النوع من التدخل العدواني لدى هذا المحلل، حتى عندما يتعلق الأمر بعلاج تحليلي مع مرضى غير «حديين»؟ وبالمناسبة، إذا كانت المقاومة لدى «المرضى الحديين» تُفَسر بالإنكار والانشطار، فإنها لدى المرضى العصابيين، في منظوره، تُعزى إلى دفاعاتهم النرجسية، والتي يجب مواجهتها وتفكيكها «تحليلياً» من خلال تفسير التحويل.
حالة سريرية 2
فيما يلي محتوى جلسة تحليل نفسي أجراها كيرنبرغ مع مريضة ذات تركيبة هستيرية. يقول المحلل إنها كانت «مقتنعة، رغم أن ذلك كان مكبوتاً بعمق، بأنه فيما تعتبره جسداً وانتماء جنسيا، قبيحَين وغير متناسقَين، يوجد لديها جسد وجنس امرأة فريدة، جميلة للغاية، يجب على الرجال أن يقدموا لها الإعجاب والاحترام».
لتفسير هذه الملاحظة، يرى المحلل أنه على مستوى أعمق، كانت المريضة تعيش خياليا بأنها المرأة التي يمكن أن تحقق علاقة مثالية مع «أب-زوج-ابن عظيم ومثالي» لكن بما أن المحلل النفسي هنا، من خلال فهمه الذي يختزل التحويل إلى نوع من الصراع الخيالي داخل علاقة ثنائية، لا يمكنه إلا أن يحل محل هذا «الأب-الزوج-الابن العظيم والمثالي»، فإنه يشرح للمريضة فوراً أنها «مستعدة لإعطاء حبها للأب-المحلل إذا وافق هذا الأخير على أن يتوافق مع هذه الصورة المثالية التي لديها عن نفسها، بأن يعجب بها وألا يشك أبداً في كمالها وجمالها».
وكما هو متوقع، رفضت المريضة هذه التفسيرات غير الملائمة والعدوانية. لكن بدلاً من إعادة النظر في تدخلاته غير المناسبة، يعزو كيرنبرغ رفض المريضة لتفسيراته الى دفاعاتها النرجسية. ويقول: «كانت المريضة تشعر أن تفسيرات المحلل تهدد هذه الصورة عن نفسها، وتشكل هجوماً خطيراً على تقديرها لذاتها، وتُعَد نقداً مدمرا».
مع ذلك يعترف كيرنبرغ بأن انتقاداته اللاذعة لما يعتقده مكونا للاوعي المريضة أدت بها «إلى اكتئاب شديد للغاية». لكنه، رغم ذلك، يواصل بشكل أعمى اعتبار رفض المريضة تأويلاته، محض نتاج لدفاعاتها النرجسية. ويضيف: «عندما تمت الإشارة إلى موقفها المتعالي وغير الودي تجاه المحلل، غضبت ودخلت في حالة اكتئاب. شعرت المريضة أن المحلل كان صورة أب نرجسي عظيم ومهتم فقط بنفسه».
في هذه النقطة، لم تكن المريضة مخطئة. لكن بدلاً من التعرف على هذه الحقيقة التي كشفتها المريضة عن موقفه المضاد للتحليل، يسعى كيرنبرغ من على منبره «كعارف-لا-شريك-له»، إلى إيجاد تفسير في طفولة المريضة. ويقول: «ردُّ فعلها يعكس جزئياً الطريقة التي شعرت بها حقاً تجاه والدها أثناء طفولتها، في ذروة صراعها الأوديبي. بعد أن خاب أملها مما اعتبرتْه هجمات من الأب-المحلل، شعَرتْ بالضياع والرفض من هذا الأب المثالي، وفي خيالها، شعرتْ أنها مهزومة من قبل الأمهات-النساء المثاليات الأخريات، في المنافسة على امتلاك الأب».
وأخيراً، يرى محللنا في خيبة أمل المريضة، واكتئابها المتكرر، وشعورها بالضياع والرفض، تطوراً كاملاً لتحويل أوديبي، وهو ما لا يتردد في التفاخر به.
في النهاية، من خلال فرض نفسه بهذه الطريقة خلال الجلسات، ومن موقع أناني للغاية، لا يؤدي المحلل في كل مرة إلا إلى تثبيط رغبة المرضى في التحليل، الرغبة التي يحاولون عبثاً الحفاظ عليها.
خاتمة
فسواء تعلق الأمر بعلاج نفسي لمريض يعاني مما يسمى بالشخصية الحدية، أو بجلسة تحليل نفسي مع مريضة هستيرية، فإن التصور النظري والإجراءات العملية لكيرنبرغ فيما يتعلق بإدارة التحويل يظلان متطابقين تماماً. لذلك، فإن الصعوبات، إن لم نقل استحالة العلاجات التحليلية، التي تُعزى إلى مرض يُفترض أنه خاص بمرضى حدود الشخصية، تعود في الواقع إلى مقاومات المحللين لإعادة النظر في أخلاقيات ممارساتهم السريرية. فالمقاطع السريرية التي تم عرضها أعلاه توضح لنا بشكل نموذجي كيف ينسب المحلل، بإصرار محيِّر، مقاومته الخاصة إلى المريض في جميع الظروف.
هكذا نرى أن زعم «عدم قابلية التحليل» لدى ما سمي بأصحاب الشخصية الحدّية يكشف عن تساؤل عميق: هل المشكلة هي من جانب المريض كما تم زعمه أم في النهج الذي يتبناه المحلل النفسي والذي يحد من إمكانيات التحليل النفسي؟ هذا السؤال، الذي يمسّ الأبعاد النظرية والسريرية للتحليل النفسي، هو بالفعل ما دعا لاكان إلى إعادة تقييم موقف المحلل النفسي وتأثيره على العملية التحليلية.
مراجع
KERNBERG 0., Les troubles limites de la personnalité, Toulouse, Privât, 1979
KERNBERG 0., La personnalité narcissique, Toulouse, Privât, 1980
MALEVAL J.-C., « Les variations du champ de l'hystérie en psychanalyse », in Hystérie et obsession, Paris, Navarin, 1985
SAFOUAN M., Le transfert et le désir de l'analyste, Paris, Seuil, 1988
SILVESTRE M., Demain la psychanalyse, Paris, Navarin, 1987
[1] محلل نفاني فرنسي، أحد الزملاء الضالعين في مجال علم المرضي من منظور التحليل النفسي. له مؤلفات قيمة في قضايا ممارسة التحليل النفسي في حالات الذهان والتوحد، على سبيل المثال.
